- Home
- مقالات
- ترجمة
العار وفقدان الذاكرة .. حول معاملة الكولومبيين للمهاجرين الفنزويليين
ليساندرو دوك نارانجو
عن جريدة EL ESPECTADOR الكولومبية
27 تشرين الثاني 2018
يذكّر كاتب المقال بالعلاقات الجيدة أحادية الجانب التي طبعت معاملة الشعب الفنزويلي مع الكولومبيين في فنزويلا، كما قد يحدث في أي بلدين متجاورين -وليست منطقتنا بعيدة عن ذلك. ويعيد حسن الجوار ذاك إلى "خليط متنوع الثراء" تمتعت به فينزويلا بعد استقبالها هجرات متنوعة من شتى أصقاع العالم، بخلاف الشعب الكولومبي المتعصب قومياً و"المسكون برهاب الأجانب"، والذي كرسه حكامه من خلال سياساتهم المتمثلة بإغلاق البلد أمام المهاجرين، حتى أصبح "الرهاب" و"الشعور بالفرادة" ينتقل بالوراثة!. يشعر الكاتب بالغرابة أمام حالات العدائية و"الكراهية الجمعية" التي تظهر في كولومبيا تجاه الفنزويليين اللاجئين، حيث يطالب بالحد الأدنى من رد الجميل لمن قدم للكولومبيين العون حينما احتاجوا له. وربما من المفيد الاطلاع على ما يُكتب عن تجارب الآخرين لمقاربة تجاربنا الخاصة المسكوت عنها في الغالب.
يبدو أن الناس في كولومبيا قد نسوا أنهم هم من كانوا يبحثون في الماضي القريب عن ملاذ آمن خارج البلاد، وأن فنزويلا قد مدَّت يد العون والتسامح. إن أكبر فرق من بين الفروق الكثيرة بين كولومبيا وفنزويلا هو أن "جيراننا الفنزويليين"، مع بدايات القرن العشرين، فتحوا أبوابهم للمهاجرين. لقد رحَّبوا بالإيطاليين والبرتغاليين والإسبان والألمان واليوغسلاف واليهود واللبنانيين والأتراك والصينيين وآخرين غيرهم؛ هؤلاء جميعاً ساهموا بخلق خليط متنوع الثراء مع السكان المحليين. وفي وقت لاحق شق كثيرٌ من سكان أميركا اللاتينية طريقهم إلى فنزويلا أيضاً؛ كان الناس يفرون من دكتاتوريات المنطقة ويستقرون في ذاك المحج الذي يتمتع بالوفرة والثقافة العالمية. وفي ستينيات القرن الماضي، كان ثمة وجود لملايين الكولومبيين في فنزويلا، ومع مطلع الألفية الجديدة زمن سطوة المنظمات العسكرية التي لا يعني لها القانونُ شيئاً، ازدادت أعداد الكولومبيين في فنزويلا.
الحال في كولومبيا هو العكس تماماً، فقبل قرابة 20 عاماً كان يوجد 109 آلاف أجنبي في سجلات وزارة العمل يعيشون هنا، ومعظم هؤلاء كانوا من مواطني الولايات المتحدة. بدا الأمر كأننا أبداً لا نحتاج أو لا نريد أي شخص آخر في كولومبيا.
وأثناء الحرب العالمية الثانية، أغلق وزير الخارجية لويس لوبيز الأبواب في وجه اليهود الأوربيين قائلاً إنهم كانوا "ماكرين وخبثاء للغاية". لاحقاً عندما سعى مواطنون تشيليون للهروب من حكم نظام الجنرال أوغستو بينوشيه (1973- 1990)، حرصت أجهزتنا الأمنية على ألا يكون بوسعهم الدخول إلى بلادنا. وبالأمس القريب اكتشفت السلطات وجود 150 شخصاً صينياً مختبئين في كولومبيا، وتبين أن هؤلاء لم يكونوا حتى يخططون للإقامة هنا. مع ذلك وصلت الأمور بفرانسيسكو سانتوس -وهو شخصية محافظة يخدم كسفير للبلاد في واشنطن- حد التحذير من "غزو صيني".
حمضنا النووي المسكون برهاب الأجانب قد حرمنا من فوائد التخفيف من غلواء فرادتنا من خلال التنوع المتعدد ثقافياً، وإنه لمن سوء الحظ بالنسبة للناس اليائسين في فنزويلا، الذين يبحثون عن ملاذ آمن، أن يصطدموا بتعصب قومي فظ هنا؛ وقد أصبح الحال حتى أسوأ في ظل حكم الرئيس الجديد لكولومبيا (إيفان دوك) الذي حلَّ محل جوان سانتوس في وقت أسبق من هذا العام.
في الأشهر الثلاث المنصرمة فقط، قُتل 99 شخصاً فنزويلياً -13 امرأة و 86 رجل- ناهيك عن كل الأطفال الذين عانوا من الجوع حدَّ الموت أو أولئك الذين ماتوا من البرد أو من الإنهاك على الطرقات.
الأسبوع الماضي، في العاصمة بوغوتا، تم سَحْلُ رجل فنزويلي في الثالثة والعشرين من عمره وأبٌ لطفلين، حتى الموت. بينما كان الرجل يبيع الحلوى قام مجرمٌ بتنظيم حفلة سحل حتى الموت بحقه، بعد إن كان شاهده و "اشتبه" به بأنه خاطف أطفال باستخدام الواتساب، أخيراً لحق المتعصب وشركاؤه "المتمدنون" بالرجل وأخذوا يركلونه إلى أن مات في الشارع في وضح النهار. وفي العاصمة أيضاً، تم الإبلاغ عن أن شخصين فنزويليين بشكل منفصل قد حوصرا بطريقة متوعدة على رصيف باصات، لكنهما استطاعا الهرب عندما وصل الباص. وفي أماكن أخرى من البلاد، أُضرِمت النيران بخيام وأكواخ اللاجئين.
إن الكراهية الجمعية للاجئين لها علاقة كبيرة بالطريقة المخادعة التي تتعامل بها وسائل الإعلام ويتعامل بها مسؤولو الدولة مع المعلومات عن المهاجرين، الذين يُتهمون بجلب الأمراض أو الجريمة أو البغاء. هذا هو وصفنا نحن لما يقوله دونالد ترامب عن الناس القادمين من العالم الثالث.
يتخذ الوضع مظاهر أزمة إنسانية، ومن الواضح أيضاً أن الحكومة لديها اهتمام لا يُذكر في معالجة ذلك. علينا ألا ننسى أن هذه حكومة ليست حتى مستعدة لمعالجة مشكلات تخص منظومة الرعاية الصحية أو المدارس؛ إنها حكومة ترفض أن تحمي الناس الذين يُقتلون لمطالبتهم باسترداد أراضيهم المسروقة، وستطبق عما قريب ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الغذائية، حيث ستكون سبباً في تجويع الناس. مع ذلك يقوم الكولومبيون العاديون بأداء عمل الحكومة القذر، فيخيفون ويقتلون المهاجرين القادمين من بلد نحن تاريخياً مدينون له.