- Home
- مقالات
- رادار المدينة
الطبقة بعد داعش
تتفاوت التقديرات عن عدد السكان المقيمين اليوم في مدينة الطبقة وما حولها. ويصعب إجراء إحصاء دقيق في ظل التغيرات اليومية الناتجة عن حركة التنقل والنزوح من وإلى المدينة التي صارت المركز الحضري الأكبر في محافظة الرقة.
ولكن العدد يزيد، على أي حال، على 200 ألف نسمة في مدينة الطبقة وما حولها من القرى القريبة، ويتضاعف إذا ضُمت القرى والبلدات والتجمعات المؤقتة الواقعة ضمن حدودها الإدارية. ويصعب تحديد نسبة السكان الأصليين من أهل المدينة عن الوافدين إليها من مناطق شتى، من محافظات الرقة وحماة وحمص، وخاصة من مدينتي تدمر والسخنة فيها. يقيم أهل المدينة الأصليون في بيوتهم أو في بيوت أقارب، فيما يقيم النازحون في أي بناء يتاح لهم ولو كان أنقاضاً، فتسكن كثير من العوائل في طوابق ضمن أبنية طالتها أضرار هيكلية قد تودي إلى انهيارها في أي وقت. لم تُجرَ عمليات مسح للأضرار التي لحقت بالمنشآت العامة والأبنية السكنية، لكن مسحاً جزئياً أجري في الحي الأول حدد 42 من أصل 64 بناءً سكنياً دمرت بشكل كامل، ما يؤشر على حجم الخراب العام في المدينة، وإن كان هذا الحي قد نال الحصة الأكبر من الغارات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي أثناء المعارك في شهري نيسان وأيار الفائتين.
يحتاج عدد السكان الكبير هذا إلى منظومة خدمات يستحيل توفيرها في مدينة دمرت بنيتها التحتية تقريباً. لكن، ورغم ذلك، نجحت ورشات الصيانة في تحقيق الحد الأدنى من إمدادات مياه الشرب عبر الشبكة العامة لأكثر من نصف أحياء الطبقة، الشمالية والغربية على وجه التحديد، وهي الأقرب إلى محطة تصفية المياه التي نظفت من الألغام التي زرعها تنظيم داعش، قبل أن تجرى لها صيانة أصلحت الأضرار اللاحقة بتجهيزاتها. لكن إمدادات مياه الشرب عبر الشبكة العامة لن تكتمل إلا بإعادة بناء خزانات المياه الأربعة المدمرة، أو إنشاء غيرها، بما يؤمّن الضغط الكافي لتصل المياه إلى بقية الأحياء وإلى مستويات أعلى في الأبنية متعددة الطوابق. وكحلٍّ مؤقتٍ تسيّر دائرة المياه التابعة لـ«مجلس الطبقة المدني» الذي أسسته الادارة الذاتية، صهاريج إلى الأحياء المحرومة من المياه، وتخاطب المنظمات الإنسانية للمساهمة في بناء الخزانات. وفي قطاع الكهرباء يعتمد السكان اليوم على المولدات الاستثمارية في الحارات (نظام الأمبيرات)، إلى حين التغلب على المشاكل الفنية الكبرى في منظومات توليد الطاقة الكهرمائية في سد الفرات.
في قطاع الصحة استطاع أطباء وفنيون وممرضون في تشغيل وحدة إسعاف في مبنى المشفى الحكومي السابق، الذي طاله ضرر شبه كامل ولم يبق من تجهيزاته ما يستحق الذكر، ما يوجب سرعة الانطلاق في إعادة تجهيز الأقسام الأخرى. وهي المهمة الصعبة على المكتب الطبي في المجلس المدني في ظل محدودية إمكاناته المالية والتقنية واللوجستية، إن لم تتدخل منظمات صحية تتولى أو تشارك في هذا الدور الحيوي ذي الأهمية القصوى، خاصة مع افتقار المدينة إلى أي مركز صحي عام آخر بعد التدمير الكامل أو الجزئي لمستوصفاتها السابقة. يعتمد المقيمون في الطبقة اليوم على 12 عيادة خاصة تقوم بما يمكنها القيام به، مع اختلال نسبة عدد الأطباء إلى عدد السكان بشكل هائل. وفي جانب الصحة الوقائية نفذت منظمة أطباء بلا حدود، بالتنسيق مع المكتب الطبي في المجلس، حملة لقاح أطفال واحدة، كمرحلة أولى من خطة تسعى إلى الوصول إلى أكبر عدد من المستفيدين، حسب ما يقول ناشطون فيها.
يعمل في الطبقة اليوم 12 فرناً أهلياً تمت صيانتها بالتدريج خلال الأسابيع الماضية. وتزيد إمدادات الطحين التي توزع على هذه الأفران على 50 طناً يومياً، تغطي إلى حد كبير حاجة سكان المدينة والقرى القريبة منها. وينتظر أن يبدأ العمل ببناء ثم تجهيز الفرن الحكومي السابق الذي دمر بشكل كامل. وتباع ربطة الخبز التي تحوي 15 رغيفاً بمبلغ 200 ليرة سورية (حوالي 0,4 دولار أميركي).