- Home
- مقالات
- رادار المدينة
الطب النفسي للسوريين في تركيا.. رحلة المستحيل
تعتقد سرّاء ابنه الـ 23 ربيعاً، وتعيش في مدينة إسطنبول التركية منذ عامين، أنها بحاجة لعلاج نفسي، لأنها تعاني من نوبات حزن واكتئاب، وأحياناً غضب وانفعال مبالغ به دون أسباب وجيهة، كما أنها تشكو من أرق ليلي مزمن، لكنها لا تعرف إلى أين تتّجه، فهي تلاقي صعوبات أثناء بحثها أو مراجعتها لطبيب صحة عامة، فكيف الحال بأمر إيجادها طبيباً نفسياً تستطيع أن تشرح له ما مرّ بها من أزمات ليفهم حالها ويشخّص مرضها.
سرّاء وهي امرأة سورية من ريف دمشق، تزوجت منذ سبعة أعوام ولديها ولدان، تعرضت منذ اندلاع الثورة لأحداث فادحة شأنها شأن عدد كبير من النساء السوريات، كما أنها اضطرت إلى النزوح مرات عديدة، وفي كل مرة كانت تنزح فيها أو تتعرض لظروف قاهرة كانت تنهار قواها النفسية، وتخسر بعضاً من طاقتها وروحها، وفقَ وصفها، إلى أن آل بها الأمر إلى حالة مزمنة من الاضطراب والإحباط والاكتئاب "والنكد المتصل" وفق تعبير لزوجها.
انعدام التأثير!
ينشط في بعض المدن التركية عدد من الجمعيات والمنظمات الأهلية السورية التي تحاول تقديم الدعم الاجتماعي للسوريين، وجزء من هذه المؤسسات تقدم خدمات الدعم النفسي وإعادة التأهيل للفئات المتضرّرة، ومنها ورشات الدعم النفساني والاجتماعي للأيتام والأرامل، لكن هذه الورشات وعلى الرغم من فعاليتها بعض الأحيان، إلا أنها لا تقدم حلولاً ناجعة للمتضررين الفعليين، وهي لا تتجاوز تقديم نشاط/ لقاء فيه نوع من التسلية والإشغال، أو المشورة والتوجيه الكلامي من قبل المرشدين المخولين، لكن "مخولين هنا لا تكون دائماً دقيقة، فالعديد من العاملين في هذا المجال ليسوا مؤهلين، ولا يملكون الأدوات والمعلومات الصحيحة" وفقَ أخصائيين.
أما تقديم العلاج الدوائي فهو نادر، وليس سهلاً، وعدد الأطباء النفسيين والمعالجين المتعاونين مع الجمعيات التي يملك السوريين وصولاً لها قليل جداً في عموم تركيا.
سمير وهو شاب سوري حلبي في الثلاثين من عمره، يعيش في غازي عنتاب منذ أعوام أيضاً، وتعرّض لعمل جراحي خطير في دماغه، دخل بعده بحالة من الاكتئاب، الوهن العام والإحباط. حاول الذهاب إلى طبيب نفسي تركي، لكنه لم يتمكن من شرح وضعه ومخاوفه، وعندما استعان بمترجم شعر أنه غير قادر على وصف حالته بدقة ودخل نوبة أخرى من الخجل والاضطراب، جعلاه لا يثق بالتشخيص والدواء المعطى. لم يتناول الدواء وازداد وضعه سوءاً وهو حالياً حبيس المنزل، يتناول المهدئات بكثرة ولا يرغب بلقاء الناس، ينام أكثر من خمسة عشر ساعة يومياً ويخضع أيضاً لجلسات علاج فيزيائي بسبب تراجع أداء يده ورجله اليمنى إثر العمل الجراحي.
اللغة عقبة رئيسية
الطبيب النفسي عمار بيطار، طبيب سوري يعيش في تركيا، أوضح لعين المدينة بعض المعلومات المرتبطة بالطبابة النفسية في تركيا مؤكداً أنه "يوجد عيادة نفسية في معظم المستشفيات العامة التي تستقبل السوريين، ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود الرابط بين المريض والطبيب، فالمترجمون لا يستطيعون إيصال الرسالة أو وجع المريض النفسي كما ينبغي، ولا يستطيعون التقاط المشاعر الواجب إيصالها، وهي هامة في الطب النفسي. على سبيل المثال: قراءة لغة الجسد والانفعالات"، مشيراً إلى أن "عدد الأطباء النفسيين في تركيا بشكل عام قليل"، واستشهد على ذلك بصديقه الطبيب النفسي التركي له، إذ يعمل في مستشفى خاص في غازي عينتاب يعاين نحو 20 مريضاً يومياً وهو رقم عدّه "كبير"، مؤكداً أن "استشارة الأطباء النفسيين خارج المراكز العامة تكلّف نحو 50 دولار".
وفيما يتعلق بالمكون الثاني للعلاج النفسي اللادوائي (جلسات العلاج النفسي التي يقدمها المعالجون) أكد بيطار على "ندرة الاختصاصيين النفسيين السوريين الحاصلين على ماجستير في علم النفس السريري، المدربين على إجراء معالجات نفسية سواء كانت سلوكية معرفية، أو سلوكية أو معرفية".
ويضيف الطبيب بيطار قائلاً "السوريين القادرين على التحدث التركية بطلاقة، يستطيعون الذهاب إلى العيادات الخاصة أو العامة" مشدّداً أن "العقبة الرئيسية للتطبيب النفسي هي اللغة، فإحدى أهم مقومات الطب النفسي الخصوصية والسرية، ودخول عنصر ثالث (المترجم) يؤدي إلى غياب الراحة لدى المريض، وبالتالي انعدام فاعلية التشخيص والعلاج، سواء أكان دوائي أو جلسات".
يوجد في كلّ تركيا تسعة أطباء نفسيين سوريين، لم يتمكنوا إلى الآن من تعديل شهاداتهم، ويواجهون صعوبات في التراخيص وأوراق العمل الرسمية، كما أن بعض المرضى يواجهون تعقيدات في التنّقل لتلقي العلاج في المدن التي تتوفر فيها عيادات الطب النفسي، وفقَ بيطار، الذي أكد أن بعض المرضى يقطعون مسافات من مدن بعيدة إلى غازي عينتاب التي يتواجد فيها نسبياً بعض المراكز والعيادات السورية المقدِّمة للخدمة.
ترى سرّاء أن الطب النفسي حاجة بالنسبة إلى السوريين وليس رفاهية، وينبغي التعاطي معه بطريقة مختلفة، وكسر السلطة الاجتماعية التي ما زالت تطلق أحكاماً على كل من يحتاج مساعدة نفسية وصفتها بـ "الجائرة". مشددةً أنها تخشى سؤال الأصدقاء عن طبيب نفسي لأنها تشعر أنهم لا يتقبّلون الفكرة وينظرون لها بعين الريبة والاستهجان. ويتفق الطبيب بيطار مع سرّاء على هذا الطرح، مضيفاً أن "المجتمع السوري لم يتقدّم في مجال تقبله للعلاج النفسي على الرغم من كل ما حلّ به من أزمات، وهي مشكلة أخرى مرتبطة بملف الصحة النفسية للسوريين تضاف إلى المشكلة الأساس (قلة المراكز والمختصين) تحتاج إلى دراسة وفهم الدوافع كخطوة أولى في طريق حلّها"