- Home
- مقالات
- رادار المدينة
الشيخ الشقيري «شاهد» لم يشاهد استعصاء صيدنايا
في حلقته الخامسة استضاف برنامج السيناريو –كوميدي- الذي تبثه قناة أورينت، الشيخ عبدالسلام الشقيري، رفيق شاكر العبسي زعيم ما سمي بـ (فتح الإسلام) خلال أحداث مخيم نهر البارد في2007. فتح كلام الشقيري علي باباََ لسؤال لم أجد الإجابة عليه، يخص أحداث الثورة، كما يخص أحداث مجزرة سجن صيدنايا التي تكلم عنها الشيخ وكنت شاهداً عليها أثناء اعتقالي هناك.
تحدث الشقيري عن بعض التفاصيل حول مكان اعتقاله، ومجريات التحقيق، والمحققين الذين تولوا ذلك، وكان على رأسهم ضابط المخابرات المعروف سهيل الحسن، حسب ماذكر، رغم أن الشقيري قال إن الفرع الذي قبض عليه، و ُحقق معه فيه، كان فرع تحقيق المزة التابع للمخابرات الجوية!. ونفى الشقيري، خلال اللقاء، وجود عناصر من تنظيم القاعدة ضمن السوريين المعتقلين في فروع المخابرات وسجن صيدنايا!. وأكد أن المعتقلين التابعين للتنظيمات الإرهابية كانوا تحديداً من الجنسية الأردنية، العراقية، والمغرب العربي، ولم ُيجمعوا، خلال فترة اعتقالهم، مع بقية المعتقلين، وإنما قضوا فترة اعتقالهم ضمن مهاجع، أو غرف بالأحرى، مكيفة ومجهزة بكل ما تقتضيه وسائل الراحة البشرية عادة!
قدم الشيخ عبد السلام روايته حول ما يسمى (بمجزة صيدنايا) خلال الاستعصاء الشهير الذي قام به المعتقلون عام 2008، وذكر أرقامه حول عدد المعتقلين في ذلك التاريخ، وعدد القتلى منهم، ومن ضباط وجنود النظام؛ إضافة إلى الأسباب التي أدت إلى هذا الحدث الاستثنائي، وهي إهانة الدين، حسب روايته؛ كأن يقوم أحد الحراس، عند رؤية أحد المعتقلين يقرأ القرآن، بأخذ المصحف من يده ورميه على الأرض، من ثم يطأه بقدمه؛ أو أن يصب على رأس من يراه يصلي نجاسات مستخرجة من المراحيض. وذكر أيضاً، بشيء من التفصيل، دور ماهر الأسد وفرقته الرابعة بمدفعياتها ودباباتها، معتبراً أن الاستراتيجية، التي اتفق على اتباعها لحل أزمة سجن صيدنايا في ذلك التاريخ، هي نفس استراتيجية العم رفعت مع سجن تدمر، ولكن قراراً، لم يعرف الشيخ من يقف خلفه، أوقف تنفيذ الخطة التي قضت بتدمير سجن صيدنايا على ساكنيه قبل اكتمالها، وتم استبعاد (الأخ ماهر)، بموجب القرار، عن المشاركة في كسر الاستعصاء، ولكن بعد أن تم تدمير أجزاء كبيرة من السجن أدى إلى قتل المئات من المعتقلين والجنود أيضاً!
من زاويتي، وأنا واحد من مئات عاينوا وعانوا من اعتقالات النظام السوري ومن محققيه، وأحد الشاهدين على استعصاء صيدنايا، أقول: ما ذكره الشقيري، من أسماء أشخاص وأماكن وأحداث عامة، موجود بالفعل، أما ما شهد به خلاف ذلك، من أرقام وأوصاف وتقاطعات وحوادث محددة، أسباب ومؤديات وسيناريوهات أيضاً، اختلاق وكذب لا أستطيع فهم ولا تفهّم دوافعه إليه! كما لا أستطيع فهم أو تفهّم من يقدم على مثله بشأن الثورة السورية! وهم كثر.
على أن المفارقة الأولى هي أن الشقيري لم يكن موجوداً في سجن صيدنايا أثناء استعصاء معتقليه، وغالبية معتقلي تلك الفترة يعلمون أن الشيخ عبدالسلام الشقيري، ومعه زعيم تنظيم (فتح الإسلام) الشيخ شاكر العبسي، قد أخلي سبيلهما في عام 2005 من سجن صيدنايا، بعد قضاءهما نحو عامين ونصف في المعتقل، ليقوم شاكر العبسي في شباط 2006 بتشكيل تنظيمه الذي انشق عن تنظيم (فتح الانتفاضة)، وقد كان قرار إخلاء سبيلهم غريباً ومثيراً للريبة لكل معتقلي تلك الفترة لعدة أسباب، منها أن المحكمة التي قاضت العبسي والشقيري كانت محكمة ميدانية، ومن المعروف أن أحكام المحكمة الميدانية أكثر قسوة من أحكام بقية المحاكم التي تعالج هذا النوع من القضايا في سوريا، ناهيك عن طبيعة قضيتهم التي حوكموا عليها!
أما المفارقة الثانية أنه، وقبيل انطلاق أحداث مخيم نهر البارد بأيام، قامت المخابرات السورية باستدعاء أحد المعتقلين في سجن صيدنايا (محمود أبو شعر/ لبناني)، الذي كان قد قبض عليه ضمن خلية من الخلايا التي كان يعتمد عليها تنظيم قاعدة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين باستقبال المجاهدين من أنحاء العالم في سوريا، وترتيب مسألة عبورهم إلى العراق. كان أبو شعر يشاركنا جناح العزل (ج يمين) يومها، ولم نعلم عنه شيئاَْ بعد استدعاءه، حتى سمعنا باسمه يذكر على إحدى الإذاعات مقتولا من قبل الجيش اللبناني في أحداث مخيم نهر البارد!
في ظل الجرائم التي نتعرض لها اليوم، وجرائم قديمة بحجم جريمة اعتقال أصحاب الرأي أو المعارضة للنظام، والجرائم الأخلاقية والإنسانية التي ارتكبت بحق معتقلي صيدنايا وذويهم، وهي غير قابلة للحصر بسهولة، كماً ونوعاً، ماهي طبيعة المرض الذي يعاني منه شخص تعرض لكل هذا ثم يختلق لتضخيمه؟! أتساءل بيني وبين نفسي عادة، والآن أطرح تساؤلاتي على الملأ: مالذي يدفعنا، وقد تعرضنا لهذا النوع والمستوى من الظلم والقهر والإجرام، أن نكذب في توثيقها؟ !هل تحتاج أحداث بهذه الضخامة أن نختلق لتضخيمها أكثر؟