- Home
- مقالات
- رادار المدينة
الدراجة النارية في سوريا.. مصدر رزق وخوف ونمذجة
ترتبط الدراجة النارية (الموتور) في ذاكرة السوريين بعامل البلدية وشرطي المرور والشرطة العسكرية والشاب الطائش (الأزعر) مسبب الرعب للفتيات والخوف للأهالي على أبنائهم في طريق المدرسة، وترتبط كذلك بالتنقل في المناطق الريفية والبعيدة عن المدن والكثير من الأمور الأخرى، زاد عليها في أعوام الثورة استخدامها كمفخخة ومركبة نقل عائلية أقل كلفة، وحتى مصدر رزق ومهنة التزم بها البعض لتوصيل الركاب بين المناطق والقرى البعيدة وحتى داخل المدن في شمال غربي سوريا.
لاقت صورة لاجئ سوري في لبنان منتصف العام ٢٠١٩ كثيراً من التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي؛ شاب سوري يرافق عائلته المكونة من ٨ أشخاص في نزهة على دراجة نارية ضجت بها المواقع الإخبارية، ربما لا يعلم كثير من المتفاعلين أن الصورة تعبر عن روتين يومي في الشمال السوري لقضاء جل تنقلات العائلة، ولطالما خشيت السوريات ركوب الدراجة النارية، إلا أن الأمر بات طبيعياً، لا بديل عنها للتنقل، وحتى لقطع مسافات طويلة تتجاوز المئة كيلومتر ذهاباً ومثلها إياباً.
يروي أبو محمد تجربته عن إحضار عائلته من مدينة الباب إلى مدينة جندريس في ريف حلب على دراجة نارية: لم أمتلك أجرة نقلهم بسيارة، استعرت دراجة لإتمام ذلك، ولكم تخيل كم المعاناة والإرهاق لنا (زوجتي وابنتي) بعد 8 ساعات من السفر.
الحاجة لم تقف عند المجال العائلي، بل أنتجت استثماراً ينشط في ساحات مدن شمال غربي سوريا، حيث تصطف عدة دراجات نارية تحمل ورقة مكتوب عليها (توصيل طلبات) كما في مدينة سرمدا، ويسعى أصحابها إلى تأمين قوت أطفالهم اليومي، بعد أن أنهكهم التهجير والنزوح والفقر داخل المخيمات. يقول حسين مهجر من ريف حماة في سرمدا: "لا تعتبر هذه المهنة جديدة في القرى، لكنها أصبحت أكثر انتشاراً مع موجات النزوح والتهجير؛ قلة خطوط النقل العامة وارتفاع أجورها وتقيدها بأوقات معينة تدفع المتنقلين بين المناطق إلى استئجار دراجة نارية لإيصالهم بسرعة، دون انتظار موعد السرفيس في الكراج الذي قد يطول عدة ساعات".
الأجور رخيصة قياساً إلى أجور التنقل: من سرمدا إلى جندريس 50 ليرة تركية، في حين تطلب سيارة التكسي مبلغاً يتجاوز 200 ليرة. وترتبط الأجور ببعد المسافة وجودة الطريق، وساهم سعر البنزين في ارتفاع الأجر، إذ قارب سعر اللتر 7.5 ليرة تركية، كما يشرح حسين.
يتعرض كثير من سائقي الدراجات للحوادث المرورية بسبب سوء الطرق ورعونة بعض السائقين، وتكثر عمليات اغتيال عناصر شرطة أو تابعين لفصائل عسكرية ضمن "الجيش الوطني" يقودون دراجاتهم بين القرى والمدن، لذلك يلتزم خليل (شرطي في أعزاز ويسكن في عفرين) بالتنقل على دراجته رفقة أحد زملائه في العمل، ويعقب: "الدراجة النارية لا تؤمن الحماية لراكبها، ويمكن تحديد هويته بسهولة، ما يزيد من المخاطر".
لا تخلو منطقة في الشمال السوري من سوق خاص بالدراجات النارية، ويمتهن الكثير التجارة بها كمصدر دخل رئيسي، بدءاً بشراء الدراجة من مالكها، ثم توثيق عملية الشراء لدى مكتب مختص لضمان أنها ليست مسروقة، ثم إصلاح أعطالها وتزيينها بزينة خاصة وعبارات تلفت المشترين. يقول علي الذي يمتهن تجارة الدراجات، إنه يرتاد سوق الدراجات في مخيمات أطمة يومياً للبيع والشراء، وأن مهنته تؤمن مدخولاً لا بأس به، وأن أسعار الدراجات تتراوح بين ٢٠٠ و٦٠٠ دولار للممتازة مثل ماركة ”العيتاني“.
شكل الدراجة يوحي بطبيعة راكبها، بعضها مزينة بإضاءة بألوان مختلفة وعبارات من نوع (الهيبة، الدولة الإدلبية، صدام صقر العرب، اطلب روحي ولا تطلب المفتاح). صاحبها عادة ”غاوي"، أي أنه يحب اقتناء الدراجات ويضيف لها أغراضاً وأبعاداً أكثر من وظيفتها. وبعضها يختفي عنها كل ما ليس ضروري، لأن صاحبها يعتبرها أداة نقل فقط. يضيف أبو صلاح صاحب ورشة إصلاح في عفرين أن ذلك ينطبق حتى على "صوت الموتور الذي له دلالة"، يمكن من خلاله معرفة صاحبه، فالبعض يركب "اشطمان رياضي صوته عالي"، بينما يكتفي البقية "بالأساسي".
سرقة الدراجات النارية هي الأكثر انتشاراً في المناطق المحررة، ويعاني ملاكها من القلق الدائم من سرقتها رغم اتخاذ إجراءات أمان بقفلها وتركيب جهاز إنذار لها، لسان حال واحدهم يقول: "الموتور إيدي ورجلي".
وانفجار عبوة مزروعة في دراجة نارية هو من أكثر الأخبار انتشاراً عند حدوث تفجير؛ صغر حجمها وإمكانية ركنها في مناطق حساسة ومزدحمة مثل الأسواق، جعلت الجهات الأمنية تغلق معظم الأسواق والشوارع المزدحمة أو التي تصل إلى مقرات ومراكز أمنية وعسكرية بشكل كلي أمام حركة السيارات، والدراجات النارية خصوصاً، كما فرضت على أصحابها استخراج أوراق خاصة بها ووضع لوحة لها، وتمنع من دخول المدن في حال عدم وجود اللوحة في سبيل ضبط حركتها ومراقبتها حال حدوث أي طارئ.
لم يكن استخدام الدراجات في التفخيخ سبب حملة حجز الدراجات النارية التي أطلقها نظام الأسد في عام ٢٠١٠ في عموم سوريا. لأن التفخيخ جديد، لكن سياسات النظام في الترويع قديمة، وتسبب بخسارة عشرات الآلاف لدراجاتهم، في حين بقيت مكاتب بيع الدراجات تمارس عملها "بشكل طبيعي". يقول حسان (شرطي سابق في درعا نازح في عفرين): "معظمها تم تدميره و إرساله إلى معامل الصهر، بحجة عدم ترخيص الدراجات ودخولها عبر التهريب من خلال أزلام النظام ذاته".
يحيل الحديث عن الدراجات في سوريا إلى مشهد تعرفه الفئات التي أدت الخدمة الإلزامية قبل عقد من الزمن، حيث تقف دراجة حمراء بقربها عنصران من الشرطة العسكرية يرتديان الـ“بيريه“ الحمراء عند مدخل كل كراج في سوريا، يلجآن أحياناً إلى تمزيق إجازة العسكري واعتقاله لإكمال عدد المعتقلين الذي يحدده سلفاً رئيس الفرع.
كذلك يحيل إلى دراجة "شرطي البلدية"، الذي تنحصر مهمته الرئيسية في تحديد كل بناء "مخالف" من أجل هدمه، تقول أم محمد النازحة من سبينة في ريف دمشق، عن الفترة التي كانت تبني فيها غرفة فوق بيتها "كل موتور يمر لازم أطلع اركض على الشارع، بخاف يكون الشرطي".
زاوية المدرسة كانت مفضلة لسائقي الدراجات (الزعران)، وما زالت في بعض المناطق، لإظهار مهاراتهم بالسير على عجلة واحدة وقت انصراف مدارس بنات الثانوية والإعدادية. يقول محمد العلي وهو معلم في عفرين: "لا يمكننا ردعهم كمدرسين، نلجأ إلى الشرطة لإرسال دورية بشكل يومي إلى أبواب المدارس، وغالباً يلتزمون بالمجيء بضع أيام ثم يرحلون إلى حين حدوث مشكلة جديدة".