- Home
- مقالات
- ملف
الخيارات الصعبة أمام مقاتلي دير الزور
تذهب التوقعات إلى أن المعركة التي يقودها التحالف الدولي ضد داعش في مدينة الرقة لن تستغرق أكثر من شهرين إضافيين أو ثلاثة، لتتجه الأنظار بعد ذلك إلى دير الزور.
طرف واحد، بحكم الأمر الواقع، هو الولايات المتحدة الأميركية، سيتخذ القرار عن المكان المناسب لإطلاق المعركة وعن القوى المشاركة فيها. يخضع هذا القرار لعاملين رئيسيين: أن تطلق المعركة وتهزم داعش بأسرع وقت ممكن، وأن تجري العمليات العسكرية بأقل قدر من المشاكل الجانبية. وبالنظر إلى خريطة السيطرة اليوم، وبالأخذ بما يقال عن تفاهم روسي أميركي يقلص المواجهات الجانبية بين حلفاء الطرفين، ويجعل البادية المطلة على وادي نهر الفرات وشريط القرى على ضفته الجنوبية غربي دير الزور من حصة الروس؛ يبدو المكان الذي ستنطلق منه القوات المهاجمة قد حُدد من جانب الأميركيين، في مركزين هما الشدادي ومنطقة أبو خشب، شمال وشمال غرب دير الزور.
بناء على عامل الوقت ستعتمد الولايات المتحدة على القوى العسكرية الجاهزة والموثوقة بالنسبة إليها، ما يجعل القوتين الموجودتين أصلاً في المكان المحدد، وهما «قوات سوريا الديمقراطية» و«قوات النخبة» (تأسست في آذار من العام الفائت) الأوفر حظاً في هذا الاعتماد. لكن هل تكفي هاتان القوتان لطرد داعش من معقلها السوري الأخير والأهم من ناحية الجغرافيا (جوار العراق) والموارد المالية (النفط)؟
شارك في معارك الرقة أكثر من 12 ألف مقاتل في صفوف القوات المهاجمة، وعلى الجهة المقابلة في صفوف داعش أكثر من 6 آلاف. كلا العددين سيزيد، وربما يتضاعف، في معركة دير الزور. نظرياً، يمكن لقسد أن تحشد هذه الأعداد إن تخلت عن شرط أن يمثل أبناء دير الزور نسبة هامة من هذا الحشد، وهو شرط ضروري تفرضه عوامل عدة، إن أرادت الاستفراد بالمعركة. لكن لن يسعها في المدة القصيرة المتاحة أن تضم ما يكفي -لتحقق الشرط- من أبناء المحافظة، الذين لم تنجح في ضم أكثر من 350 منهم منذ تأسيسها في تشرين الأول 2015 وحتى الآن. وعليها ألا تأمل في أعداد أكبر طالما ظلت مجرد مظلة لحزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) وظلت تنكر حدوث ثورة في سورية.
تعزز العقبات أمام قدرة قسد على اجتذاب أبناء محافظة دير الزور من أهمية قوات النخبة التي يقول مقربون منها إنها تضم أكثر من 1500 مقاتل من أبناء المحافظة، ما يجعلها خياراً عملياً يجنّبهم الانضمام إلى قسد ذات الصورة غير اللطيفة في عيونهم، ويمكّنهم من المشاركة في تحرير بلدهم من داعش. وتبدو التقديرات بخصوص توسع «النخبة» عددياً في الأسابيع القليلة القادمة في محلها، خاصة إن بقيت الجسم الديري الوحيد في المعركة، أو حتى إذا شاركها هذا التمثيل جسم عسكري آخر تسعى شخصيات وقوى عسكرية إلى تأسيسه، وفق شروط، شمال دير الزور.
حسب تقديرات، يزيد عدد المقاتلين الحاليين من أبناء دير الزور، في صفوف فصائل أو مستقلين في مجموعات صغيرة، على أكثر من 5000 مقاتل، يتركز معظمهم في محافظتي حلب وإدلب، يضاف إليهم نحو 3000 مقاتل سابق يتوزعون بين الأراضي السورية والتركية. يشكل هؤلاء جمهوراً عريضاً ينظر بانتباه شديد إلى ملامح المشهد الآخذ في التشكل يوماً بعد يوم، ويبدي معظمهم عزماً على القتال في صفوف أي جسم عسكري يمثل الحد الأدنى من تطلعاتهم ويحفظ المبدأ الذي لا يمكنهم التنازل عنه وهو القتال تحت علم الثورة والتبعية المعنوية للجيش الحر. وبالطبع لن تنجح جهود أي فصيل قائم أو قيد التأسيس في المشاركة في المعركة إن لم يجعل هذه الفئة الوازنة نصب عينيه، إلى جانب فئة أخرى يمثلها الشبان الهاربون بأعداد كبيرة من داعش في دير الزور. تشكل هذه الأعداد، إن تمخض عنها جسم فاعل ومنظم، نواة جذب لأعداد أخرى، لا شك في أنها ستكبر مع أول قرية تتحرر من داعش ويرفع علم الثورة فيها.
لم يفت الأوان بعد أمام القوى الثورية المقاتلة من أبناء دير الزور لأخذ زمام المبادرة والاضطلاع بدورها المفترض، إن هي تحلت بالمسؤولية وأدركت خطورة المعركة القادمة وآثارها على مستقبل المحافظة.