- Home
- مقالات
- رادار المدينة
الحمل والإنجاب في المخيمات شمال غرب سوريا.. زيادة الولادات والوفيات وانعدام المساحة الخاصة بالحوامل
الازدحام شديد داخل المخيم؛ أطفال يركضون ويلعبون ويملؤون المكان ضجيجاً بملابسهم المتسخة وأقدامهم الحافية، رجال بلا عمل يتسكعون أمام خيامهم، يشربون الشاي ويتبادلون الأحاديث، بينما تكابد رهف الخجل وهي تجهد بالمسير ذهاباً وإياباً علها تتمكن من الولادة السريعة، بعد أن بدأت أعراض مخاضها وألم أسفل البطن يزداد شيئاً فشيئاً.
تقول رهف (٢٧ عاماً نازحة من مدينة سراقب) لـ“عين المدينة“ إنها ولادتها الأولى التي شاءت الأقدار أن تكون في المخيم، "أتمنى الولادة سريعاً دون أن أضطر للصراخ فيسمعني الجميع، الخيام متلاصقة ولا شك أن الوضع سيكون محرج للغاية".
ثمة قابلة قانونية وحيدة في مخيم قاح المجاور لمخيم كفر لوسين حيث تقيم رهف، وهي من أخبرت الأخيرة أنها بحاجة لبعض الوقت حتى تتمكن من الولادة، فما زال الجنين أعلى الرحم وهي بحاجة للمشي الذي يساعد في نزول الجنين ويهيئ للولادة بشكل أسرع.
يظهر على رهف الخوف والتوتر، تدعو الله أن يكون معها في أوقاتها الصعبة، وتأمل أن تلد في خيمتها بمساعدة القابلة دون أن يضطر زوجها "المعدم" من نقلها إلى المستشفى البعيد عن المخيم، حيث المصاريف الكبيرة التي ترهق كاهله "المثقل أساساً" نتيجة الفقر وقلة فرص العمل.
لم تزر رهف طبيبة نسائية خلال فترة حملها إلا مرة واحدة، وهي تلجأ إلى مشروب النعناع الدافئ عند شعورها بأوجاع الحمل والمغص، وابتعدت عن تناول الأدوية والمسكنات التي تؤذي الجنين. "حين رأيت الخطين الأحمرين على شريط فحص الحمل البدائي شعرت بسعادة مقبلة، لطالما انتظرت هذا الحمل الذي تأخر ست سنوات بعد زواجي، لكنني في الوقت نفسه شعرت بالرهبة والتوجس والخوف مع غياب أدنى فكرة عن كيف وأين ألد، كيف سيكون الحال وهنا تغيب خصوصية المرأة بعد الولادة، فهي لا تخرج من خيمتها إلا بصعوبة رغم حاجتها إلى الاستخدام المتكرر للحمام هذه الفترة".
تواجه النساء السوريات خلال فترة الحمل أشهراً هي الأكثر صعوبة في حياتهن، تحتاج فيها الحامل إلى عناية خاصة لتتحمل أعباء الجنين في أحشائها، ويتوجب عليها مراعاة صحتها الجسدية والنفسية لتؤمن لجنينها نمواً طبيعياً آمناً لا يحمل أي منغصات، لكن ذلك غير متاح في المخيمات السورية التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
حال رهف وتخوفاتها تشبه حال الكثيرات، وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) ومجموعة الأمن الغذائي في كانون الأول ٢٠٢٠ يوضح الحالة الإنسانية لشمال غرب سوريا، فإن ٤٢,٣٪ من الأسر تضم على الأقل امرأة حاملاً ومرضعاً، و١٦,٦ ٪ من الأسر لديها أطفال تقل أعمارهم عن ستة أشهر، و٣٠,١٪ لديهم أطفال تتراوح أعمارهم بين سنة و٢٣ شهراً.
ليست المخاوف الصحية والمادية الوحيدة التي تواجه المرأة الحامل، فما إن يقترب موعد الولادة حتى تسوء حالتها النفسية، فاقتراب الولادة يعني دفع مبالغ مالية كبيرة: أجرة المستشفى، ألبسة المولود وغيرها، عدا عن حيرة المرأة بكيفية توفير الظروف الآمنة للولادة لاسيما في المخيمات، وهو الأمر الذي يزيد الضغوطات عليها.
صفاء (٣٠عاماً نازحة من بلدة حيش) لم تمر فترة حملها بسلام داخل مخيم دير حسان حيث تعيش مع زوجها وولديها، فقد أصيبت بفقر دم حاد نتيجة قلة التغذية، وهو ما أشعرها بالتعب الزائد والدوخة وفقدان الشهية التي انتهت بفقدانها جنينها في نهاية شهرها الخامس. تقول العثمان إنها تعيش حياة صعبة داخل المخيم الذي يفتقد الخدمات الصحية والطبية وخاصة فيما يتعلق بالحوامل، فهي منذ بداية حملها لم تراجع الطبيبة النسائية بسبب بُعد عيادات الأطباء عن المخيمات من جهة، ولغلاء أجور الكشفيات في الوقت الذي تعاني منه معظم الأسر من الفقر في ظل النزوح والغلاء من جهة أخرى.
تصمت العثمان قليلاً لتتابع "لم يعد الحمل مصدر سعادة للسوريين في هذه الأيام، بل بات كابوساً من الهم والقلق. إذ لا يغيب عن الحوامل التفكير ملياً بالمولود الجديد وكيفية تأمين احتياجاته التي ستزيد من أعباء الأسرة، التي تواجه صعوبة بتأمين الغذاء والخبز والدواء، هذا إن مرت فترة الحمل والولادة بشكل طبيعي" على حد وصفها.
معظم نساء المخيمات ترى أن الظروف داخل المخيم غير مناسبة لإنجاب الأطفال، ولكن البعض يريد "تعويض" من فقدوا في الحرب، كما قالت سهيلة (أم لأربعة أطفال) خلال انتظارها في طابور العيادة الإنجابية القريبة من المخيم الذي تقيم فيه لتحصل على فرصة الكشف المجاني، لكنها لم تحصل عليه مع أخريات بعد انتهاء الدوام الرسمي.
فقدت سهيلة ابناً لها في القصف على مدينتها خان شيخون عام ٢٠١٩، وهو السبب وراء رغبتها بالإنجاب مرة أخرى "إن كان مولوداً ذكراً سأسميه مصطفى باسم أخيه الشهيد، وإن كان المولود فتاة سأسميها ثورة تخليداً لثورتنا المباركة، ثورة الحق والحرية والكرامة، لن نتوقف عن مطالبنا المحقة، ولن يقدروا على إفنائنا، سنبقى نلد الأحرار في كل مكان وزمان".
حديث سهيلة عن التحدي والإصرار على الحمل والولادة رغم كل الظروف، لا ينفي وجود ظروف قاسية تعانيها النساء السوريات الحوامل في مخيمات النزوح ذات الحالة الخدمية المزرية وفق ما تجده كثيرات، إذ لا يتوفر أي مرافق خاصة بالنساء الحوامل أو الأطفال المولودين، بداية من النوم في مكان مريح مروراً بالمساحة الخاصة بالمرأة الحامل، وليس انتهاء عند عدم توفر دورات مياه صحية ونظيفة للمرأة الحامل.
في القاطع الشمالي لمخيمات أطمة الملاصق للحدود السورية التركية، تنهدت القابلة سعاد دغيم (٤٠ عاماً) بيأس وهي تجلس القرفصاء على أرض الخيمة، كان رأس الطفل عالقاً، وبدا واضحاً أن الأم أنهكها طول ساعات المخاض؛ لم يكن لدى الدغيم إلا أن استجمعت قوتها وتمكنت أخيراً من سحب المولود وإتمام عملية التوليد بنجاح.
تقول الدغيم التي تتجاوز خبرتها في القبالة ١٥ عاماً إنها افتتحت عيادة نسائية في المخيم الذي يخلو من أي مراكز صحية خاصة بالأمومة. ولفت انتباه الدغيم حالات الحمل التي تراها تعتقد أنها عالية داخل المخيم، دون أن يكون لديها أرقام سابقة أو حالية للمقارنة.
من جهتها قالت الطبيبة النسائية لمى الحسن (٤٨ عاماً) لـ“عين المدينة“ إن المرأة الحامل بحاجة إلى زيارات دورية للاطمئنان على صحتها وصحة طفلها، إذ من الممكن أن تعيش المرأة خلال هذه الفترة مخاطر قد تعرض حياتها للخطر إن لم يتم اكتشاف المشكلة في وقت أبكر، ورغم عدم وجود أرقام إحصائية دقيقة إلا أن الطبيبة الحسن تعتقد أن الوفيات النفاسية ووفيات الأطفال حديثي الولادة في ازدياد.
في المقابل تلاحظ الحسن زيادة الولادات في المخيمات، وترجع الطبيبة الزيادة إلى أن "العلاقات الحميمية وسيلة الناس لقتل وقت الفراغ والشعور بالحب والأمان بعد ظروف شديدة القسوة، كما أنها تعطيهم نوعاً من الأمل المستمر بحياتهم بولادة أطفال جدد"، إضافة لعدم توفر وسائل منع الحمل ونقص الوعي الصحي لدى النازحين يجعل من حدوث الحمل ظاهرة منتشرة بصورة أكبر.