- Home
- مقالات
- رأي
الحرب أم الأوهام المقدسة؟
يظهر بعض أنصار دونالد ترامب، الرئيس الأميركيّ المنتخب الذي سيؤدي اليمين الدستورية ويستلم مسؤولياته في 20 كانون الثاني 2017، وهم يرددون صدى تصريحاته حول المسلمين والمهاجرين والملونين في أميركا، مستذكرين الحملة الصليبية الأولى التي أعلنها البابا أوربان الثاني في العام 1095، بصرختها المشهورة: «إنها إرادة الله»، لطرد السلاجقة المسلمين الذي هاجموا الأناضول، وصولاً إلى الأراضي المقدسة في فلسطين.
وهم يستذكرون تلك الصيحة بهدف حشد الجمهور وفق رؤيةٍ جديدةٍ تتجاوز حتى اليمين المتطرف والمحافظين الجدد أيام جورج بوش الأب والابن، في محاولةٍ لتكوين تيارٍ يمينيٍّ جديدٍ يعتمد العداء تجاه المسلمين، والملونين، والمهاجرين، ومناهضة النساء، وحتى القيم الديمقراطية الغربية، وكأنما هي عودةٌ نحو أصوليةٍ دينيةٍ متطرفةٍ ولكن بغطاءٍ من الحداثة. والأكثر أهميةً في النزعات الترامبية وممثليها هو انفتاحها على التعامل مع الأنظمة الدكتاتورية في العالم، من بوتين إلى نظام كوريا الشمالية مروراً ببشار الأسد، والأمر المختلف هو شكل هذا التعامل ووسائله. فترامب يرى أنه من الضروري محاربة الفاشية الإسلامية، التي يعتبرها الخطر الأساسي الذي يهدد الحضارة الأوروبية، وكأنه يحيي من جديدٍ موضوعة صدام الحضارات، وخاصةً بين المسيحية والإسلام.
وقد زرعت تصريحات ترامب ونزعاته المريبة تلك الرعبَ حتى في أوساط الأوروبيين، الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة. فتشجيعه بريطانيا على الانسحاب من الاتحاد الأوروبيّ واضحٌ جداً، وكذلك انتقاداته لدور هذا الاتحاد وحلف شمال الأطلسيّ، والتلويح بعدم استمرارية الولايات المتحدة في الدفاع عنهم.
وفي الشرق الأوسط تخرج إيران بشكلٍ علنيّ لتصور حربها العدوانية على الشعب السوري، ومن قبله العراقي، عبر استنهاض روح الثأر لدى الشيعة في كل الأرض، للمشاركة في عملية القتل التي يرعاها الحرس الثوري، لمصالح قوميةٍ ومذهبية، على أنها حربٌ مقدسةٌ للثأر من قتلة الحسين.
أما الطرف الثالث في حرب المقدسات هذه فهو «الدولة الإسلامية» (داعش)، التي نشأت في أعقاب الاحتلال الأميركيّ للعراق وتهديمه مرتكزات الدولة، وأولها حلّ الجيش، والظلم الكبير الذي ألحقته، وما تزال، الحكومات العراقية، الشيعية المذهب والإيرانية التوجه، في حقّ السنّة العراقيين بكافة شرائحهم، بحيث أبعدتهم عن مفاصل الحياة السياسية، وعاملتهم بطريقةٍ مهينةٍ جداً، وبصورةٍ انتقاميةٍ تسحق آدمية البشر بشكلٍ أساسيّ.
وتستحضر أدبيات تنظيم الدولة النبوءة الإسلامية التي مفادها أن معركةً كبرى ستجري في سهول دابق، القرية السورية في شمال حلب، حيث ستنتصر جيوش المسلمين وتنطلق لفتح القسطنطينية، ومن ثم روما.
ما تشترك فيه هذه الأطراف الثلاثة أنها أصولياتٌ تسعى إلى التدمير، عكس ادعاءاتها بالبناء. فالترامبية تريد أن تطلق العنان كاملاً لأصحاب الأموال «المتحضرين» وفق تقاليد مسيحيةٍ متعصبةٍ ومعاديةٍ للآخر، مسخرةً كل إمكانات الدولة لنزعاتها في السيطرة والربح والتوسع، وأنَّ كل ما يعيق هذه العملية لا بد من سحقه. أما إيران، الدولة التي نشأت في أعقاب ثورة 1979، وأسست حرسها الثوري ذا المهمة المزدوجة: حماية الثورة في الداخل، ونشر أفكارها في الخارج؛ فتكشف علانيةً عن مشروعٍ طائفيٍّ بغيض، يصل إلى حدّ الاستيطان من خلال القتل والتهجير والإسكان. أما «الدولة الإسلامية» فتدير أراضيها وفق توحشٍ يستند إلى فهمٍ معينٍ للنصوص الإسلامية، ويعدّ أي تصورٍ أو تفسيرٍ للشريعة خارج ما تقرّه ارتداداً من الناحية العقائدية. كما تشترك مع الترامبية في حرية جمع الأموال لصالح الجماعة بكل الوسائل المتاحة.
الأهم في كل ما سبق هم ضحايا هذه المشاريع المتوهمة: إنهم البشر كمخلوقاتٍ آدمية، وسعيهم نحو الحرية والكرامة والاكتفاء الذي يؤمّن لهم شروط الحياة، ناهيك عن القيم والحقوق البشرية الأخرى في التعبير والمشاركة واختيار نظام الحكم والقدرة على تغييره، وسواها.
لقد ذاق السوريون كل أشكال القهر، بدءاً من نظامٍ طائفيٍّ مرتهنٍ للقوى الخارجية، وأهمها إيران وفصائل الشيعة من مختلف بقاع الأرض، مروراً بداعش التي لم توفر شكلاً من الإكراه إلا ومارسته عليهم، في محاولةٍ لسحق روح التحدي التي نادت بالحرية، ليأتي ترامب أخيراً، بتطلعاته نحو التحالف مع أنظمة الطغيان بحجة محاربة الفاشية الإسلامية، فيجهز على أحلامهم.
بالتأكيد ليست معارك هذه الأطراف مقدسة، إنها معارك الأساطير والأوهام التي يكسبونها صفة القداسة، والتي ستقود العالم إلى مصيرٍ مجهول. تقابلها معركة الحرية والحياة الكريمة للبشر، المعركة التي لا تتجزأ، والتي ستنتصر في النهاية رغم تكالب كل قوى الطغيان.
الطريق طويلة، ولكن الحلم يستحق الكثير من التضحية.