- Home
- مقالات
- رادار المدينة
الجنسية التركية... «ولاء للدولة» أم «فن المكسب»
القلق من المستقبل المجهول يرافق اللاجئين السوريين أينما اتجهوا، خاصة في تركيا. يتابعون شؤون البلاد التي يسكنونها، يتبادلون الشائعات المتعلقة بمصيرهم، والتي ترتبط بالواقع السياسي والاقتصادي، بعد أن أصبحت قضيتهم جزءاً من الحملات الانتخابية وخلافات الأحزاب، وانقسم سكان البلاد الأصليين بين موافق على وجودهم ورافض له، بين التعاطف مع أحوالهم والتنمر عليهم.
يغدو الحصول على الجنسية حلّاً لكثير من المشكلات، لا بدافع "الانتماء" الغائب غالباً، ولكن على الأقل للتخلص من المشكلات المتعلقة بالحماية المؤقتة والمصير المجهول وجواز سفر للمرور و"فن للمكسب"، تقول بيان (21 عاماً) والحاصلة على الجنسية التركية منذ أشهر.
قبل حصولها على الجنسية انكبت بيان على متابعة وتحليل سير الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة في تركيا، تمنّت في داخلها فوز من يناصر السوريين، ويسمح لهم بالبقاء، خوفاً من إعادتها إلى سوريا أو التضييق عليها، دعت إلى الله عبر صفحتها على فيسبوك، حولت صورهم إلى صورة شخصية لبروفايلها مع كثير من الأعلام الحمراء المزينة بالهلال، إلّا أنها وبعد حصولها على الجنسية التي تخولها ممارسة حقوق المواطنين الأتراك، اعتادت الصمت مع من تشاركهم حق العيش، إذ لا يتجاوز نطاق حديثها معهم طلب المساعدة بلطف (مصطنع)؛ هي لا تشعر بالانتماء، تقول إن ما يلخّص حالها المثل القائل "ليس حباً في زيد ولكن كرهاً في عمرو".
على المواقع الإخبارية تطالعك عشرات التقارير والصفحات ترشدك لآلية الحصول على الجنسية، مئات التعليقات والأسئلة والإجابات المبهمة والتندر؛ كثر يرون فيها، أي الجنسية، "كرت بلانش" يترافق بتخوف من المجتمع التركي وعاداته ولغته وتمسك عدد غير قليل منهم بفكر قومي يرفض الاندماج، آخرون حاولوا المفاضلة بين مزايا الجنسية والحماية المؤقتة، وانقسموا في ذلك بين الحقوق والواجبات، بينما اكتفى قسم آخر منهم بوضع "نقطة أو أكثر" كدليل على المتابعة والوصول إلى "برّ".
وفي سبيل ذلك ازدحمت مكاتب الهجرة بتقديم الطلبات، خاصة أصحاب الشهادات العلمية، الأوفر حظاً، أو إيجاد حلول من شأنها "تقوية ملفك" للحصول على الجنسية، كإذن العمل. أما الحل الأكثر كلفة، والذي ما زال "مجهول المصير"، يكمن في إنشاء شركة، "طاولة وكرسيين وترخيص واسم" وتصبح من أصحاب الشركات، يقول أبو أحمد الذي أسس شركة لنقل البضائع إلى سوريا، إن كلفة الترخيص بلغت "ما يقارب 7000 ليرة تركية" يشترك فيها أربعة أسماء، "بيجوز تفيد وناخد الجنسية عليها".
آلاف الطلبات العالقة في "السيستم" وفي مختلف المراحل السبعة قبل الحصول على الجنسية، ومع كل اقتراب من المرحلة الأخيرة تبدأ هواجس أخرى بالظهور، لعلّ أهمها بنظر فئة الشباب "الخدمة العسكرية"، يقول محمود (طالب في هندسة الاتصالات) إن تأدية الخدمة العسكرية بات هاجساً يطارده في أحلامه، "خرجت من سوريا وحصلت على الجنسية التركية لأبقى بمنأى عن الحرب، لكن الجنسية ستكون سبباً لزجّي مجدداً في الحرب ذاتها"، متخوفاً من احتمالية أن تكون خدمته في الداخل السوري.
بينما يرى فواز أن حصوله على الجنسية سيفقده "كرت الهلال الأحمر"، يضحك وهو يقول "شو نفع الجنسية بدون مصاري"، ناهيك عن تحاشي بعض أرباب العمل الأتراك بتشغيل من يحملون الجنسية، لتجنب "الحد الأدنى من الأجور المفروض من قبل الدولة والتأمين.."
لترى ألمى أن الفائدة الوحيدة من حصولها على الجنسية كانت في قدرتها على "استقدام عائلتها من حلب"، دون الحاجة للجوء إلى التهريب ومخاطره، في الوقت الذي رأت فيه نورا أن الحصول على الجنسية "يغنيك عن إذن السفر" للتنقل بين الولايات، والذي بات مشكلة عصية ليس لها حل، إضافة لجواز السفر الذي سيسمح لها بالسفر إلى بلدان أخرى للعمل. تفصح نورا عن رغبتها بالهجرة إلى كندا، مبررة ذلك بأن "تركيا ليست بحاجة لنا!".
حماية مؤقتة أم أبدية؟
"جواز مستعجل" أو "عادي"؟ يصرخ رجل أمن القنصلية السورية في إسطنبول، ينظّم عشوائية طوابير المراجعين بكلام لا يخلو من إهانة، فأقف تارة بين طابور "تصديق الأوراق"، وتارة في طابور "جواز عادي" أو كما يسميه البعض بـ"طابور ابن البطة السوداء".
سأم الانتظار أمام القنصلية وتأفف موظفي أمنها دفعني لاختلاق حديث مع هبة 39 عاماً من حلب، تواظب على تطبيق ما ينبغي عليها فعله كسورية تشملها الحماية المؤقتة، تقول: "إزا قدمت طلب على الجنسية التركية، كل الامتيازات الممنوحة للسوري الحامل للبطاقة الصفرا بتصير بخبر كان!"، لم تخفِ هبة تخوفها على ابنيها بعد أن بلغا سن الخدمة العسكرية، "إزا تجنسوا، بكون بعتتهم على الحرب من جديد!".
جمعيات وحملات تهدف إلى الدمج الاجتماعي بين السوريين والأتراك لاتزال مستمرة منذ استقبال البلاد للسوريين في 2012، بغية تعريف السوري على ثقافة البلاد وقيمها وتحفيزه على الإلمام بلغة أهلها، ضماناً لبقاء التواصل ولو بأدنى مستوى له، في الوقت الذي يبقى تفكير السوري يدور في فلك "فن المكسب"، فحرمان السوريين لسنوات من الإدلاء بأصواتهم في حقوق مفصلية كالانتخاب والمشاركة السياسية أو حتى الخدمية، سلبهم شيئاً فشيئاً شعورهم بالانتماء إلى وطن، لتصبح قضية الانتماء -ولو بجنسية دولة أخرى- "فن مكسب" يحتاج التعافي منها أجيالاً.