- Home
- مقالات
- رادار المدينة
البحث عن الحب عبر وسائل التواصل في شمال غربي سوريا .. مساحة بعيدة عن قمع المجتمع أم علاقات استهلاكية؟
توفر وسائل التواصل الاجتماعي بيئة للمتشابهين لا تعترف بالحدود، والأخيرة يعرفها السوريون جيداً في مدنهم وبلداتهم وقراهم السورية كسجن، كما يعرفها اللاجئون منهم في شتاتهم كعقبة تجاوزوها ثم كهوية أعادت سجنهم، وبين هذا وذاك يبحثون عن العاطفة في الواقع الافتراضي بعيداً عمن يفرضه الواقع المعاش أو يبعده، وبأي ثمن.
ينشط الكثير من الشبان السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن الحب، بعضهم يجد في التواصل الافتراضي ترجمة لميوله العاطفية، بينما يبحث قسم منهم فيها هروباً من الواقع لأسباب ليس أولها التضييق الذي يفرضه المجتمع على العلاقات بين الجنسين، وليس آخرها قوة الجذب الذي تمارسه وسائل التواصل على الأشخاص. وفي حين يرى الكثيرون أن ذلك النوع من العلاقات الافتراضية أمر سلبي ويسبب العديد من المشاكل والتبعات الاجتماعية على الفرد والأسرة، يصادف وجود العديد من العلاقات والقصص الإيجابية والتي تكللت بالنجاح.
أحمد العلي (٢٣عاماً) طالب في جامعة إدلب الحرة، تحدث لعين المدينة عن رهاب يعيشه الشباب في محيطه نتيجة الخوف من المجتمع ونظرته السلبية إلى مشاعرهم، وعن القلق من أي علاقة قد يفضح أمرها وتصبح حكاية للناس وكأنها وصمة عار يدفعهم الحذر منها إلى الاختباء في وسائل التواصل الاجتماعي.
يبدي أحمد عدم ثقته بذلك النوع من العلاقات الافتراضية، لكنه يعتقد أن المسؤولية الأكبر في اتجاه الشباب إليها تقع على عاتق المجتمع الذي يفرض قيوداً لا تتناسب مع عصرنا الحالي، وهذا الأمر ينطبق على الحارات الشعبية كما ينطبق على الجامعة، فالجامعة التي من المفترض أن تكون منارة للعلم والمدنية حسب تعبيره، تقوم بفصل الذكور عن الإناث، وبذلك تكرس "حالة الغموض حيال الجنس الآخر وتدفع الشباب إلى اللجوء لعلاقات وهمية لفك ذلك الغموض، وربما لتفريغ طاقات سلبية وجنسية عبر الفضاء الإلكتروني". بذات السياق يطرح حلاً يحتاج لمزيد من الوقت ليكون جاهزاً، هو إفساح المجال لمزيد من الحريات.
يرى البعض أن القيود التي يضعها المجتمع على العلاقات في العالم الحقيقي تجعل من العالم الافتراضي البعيد عن أعين الآخرين وعن الخضوع لأي معايير أخلاقية، مكاناً لممارسات إجرامية بعضها يصل بالعلاقات بين الجنسين إلى الابتزاز المالي والجنسي، وفي أحسن الأحوال يخضع قسم كبير منها لسوء التقدير بسبب جهل الطرف الآخر.
وفاء السالم (٢٧عاماً) تروي بأنها تعرفت على شاب عبر الإنترنت، وبعد فترة طويلة نسبياً تقدم لخطبتها، إلا أنها تفاجأت باختلاف الطباع الهائل بينهما، ما دفعها إلى فسخ الخطوبة وإنهاء العلاقة.
بحسب وجهة نظرها تواجه الفتيات العديد من المصاعب في علاقات الحب عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أثناء رحلة البحث عن النصف الآخر او الشريك، وهناك العديد من الإشكاليات التي سوف تواجهها كل فتاة في هذا النوع من العلاقات.
"الخطوة الأولى إن نتج عنها اختيار الشخص الخطأ فستجر بعدها سلسلة من الأخطاء، وقد يتطور الأمر من مجرد محادثة عبر الإنترنت إلى مكالمات هاتفية ثم لقاءات يمكن أن تصل إلى الوقوع في المحظور" تشرح وفاء، وتضيف أن "لدى الشباب العربي قناعة تكاد تكون من المسلمات، يتوارثونها على مر العصور، وهي أن الشاب لا يتزوج الشابة التي قبلت أن تتعرف به أو تخرج معه، على الرغم من أنه قد يكون في أغلب الأحيان من سعى إلى إقامة هذه العلاقة".
في المقابل ترى مها (٢٥عاماً من مدينة أعزاز) أنها كانت ضحية لمواقع التواصل، حيث تعرفت عندما كانت متزوجة بشاب عبر تطبيق الماسنجر، تطور الأمر بينهما إلى حديث العواطف وقد وعدها بالزواج إن انفصلت عن زوجها، واستمر الأمر معلقاً إلى حين علم زوجها الذي انفصل عنها وحرمها من طفلها، في الوقت الذي انسحب شاب المسنجر فجأة. تلخص بأن "تلك العلاقات زائفة وعبارة عن كذب ومجرد تسلية للشباب".
ترجع الأخصائية النفسية في مدينة إدلب نارمين خليفة سبب تفضيل الشباب اليوم العلاقات الافتراضية أو كما وصفتها بالعلاقات "الاستهلاكية"، إلى حالة الانبهار بالسوشيال ميديا وتلك "المساحة الخيالية التي وفرتها للشبان والشابات مع قلة في الوعي وفوضى استخدام تلك التطبيقات"، في الوقت الذي مارس فيه المجتمع "سلسلة من عمليات الكبت منعت الشباب من التعبير عن مشاعرهم وعواطفهم، ما اضطرهم إلى اللجوء إلى عالم السوشيال ميديا، حيث لا رقابة ولا تقييد، وهذا له آثاره السلبية بطبيعة الحال" حسب تعبيرها.
وتوضح خليفة أن تعامل المجتمع مع تلك الظاهرة بطريقة "قمعية" سيكون له أبعاد كارثية، والحل حسب وجهة نظرها يتمثل بدعم "التوعية المجتمعية وتوجيه الشباب إلى الجانب الإيجابي في السوشيال ميديا، بالإضافة إلى دعم السلوكيات الأخلاقية لدى الشباب".
الباحث الاجتماعي إسماعيل عبدالله المقيم في قباسين بحلب، يشير إلى أن "هروب الشباب نحو عالم افتراضي غير حقيقي مرده المجتمع المحيط، والذي أنتج بيئات مغلقة تحافظ على العادات والتقاليد الراسخة والتي تقيد رغبات الشباب ومشاعرهم"، لكنه يصف بحث الشباب عن الحب في الواقع الافتراضي ب"البحث عن الأوهام"، لذلك يدعو الشباب إلى "مناقشة مجتمعاتهم بصوت عالي ومواجهة الواقع، لأنه دون مواجهة شجاعة لن يمنحهم المجتمع مساحة حقيقية لعيش قصصهم الواقعية".