الآلاف في مناطق المعارضة ليس لديهم أوراق ثبوتية رسمية

من الإنترنت

يلجأ الكثير من سكان شمال غرب سوريا التي تديرها قوات المعارضة إلى الاكتفاء بالبطاقات الشخصية والعائلية التي تصدرها سلطات المعارضة كأوراق ثبوتية، يعتبر الحصول عليها سهلاً وغير مكلف. في حين لا يزال البعض يلجأون إلى النظام عبر وسطاء وبأجور باهظة للحصول على هذه الثبوتيات.
 
بعد سنوات من الخروج عن سيطرة النظام، وجد الآلاف من السوريين أنفسهم في مشكلة تتمثل بعدم قدرتهم على استخراج وثائق ثبوتية هم بحاجة إليها، لضرورتها في إثبات هوية الشخص أو صفته أو ملكيته، وتتنوع بين البطاقة الشخصية والأسرية، والقيود الفردية والعائلية، والوثائق الأكاديمية والشهادات وغيرها.

 ومع انحسار نفوذ المعارضة وتمركزها في شمال غرب سوريا، زادت صعوبة استخراج هذه الوثائق، ما جعل السلطات المحلية المعارضة تعمل على منح وثائق بديلة لكن غير معترف بها. بدأ الأمر في اعزاز وبقية مدن وقرى ريف حلب الشمالي عن طريق المجالس المحلية، ثم كررت حكومة الإنقاذ في إدلب هذه الإجراءات.

 قسم كبير من سكان مناطق المعارضة لا يزال يحمل وثائقه القديمة التي استخرجها قبل الثورة من مؤسسات الدولة، وهم الأشخاص الأكبر سناً، بينما حصل البعض من الشبان على أوراق ثبوتية رسمية عبر وسائل عديدة منها الذهاب إلى مؤسسات الدولة، أو عبر وسطاء لقاء مبالغ كبيرة جداً. البعض الآخر وهم نسبة كبيرة من الشبان الذين ترعرعوا في مناطق حررها الثوار منذ العام 2012، لم يكن أمامهم خيار سوى اللجوء إلى الإدارات الحالية لمناطق المعارضة، للحصول على ما يلزم من أوراق ثبوتية متعددة.

وثائق "هي والعدم سواء"

تتسم بعض المناطق الخاضعة لفصائل معارضة متحالفة مع تركيا، مثل اعزاز ومارع وجرابلس (الجيش الوطني) بكونها ألغت العمل بالهوية النظامية مقابل استخراج بطاقات شخصية للسكان بقرار رسمي صدر في 23 تشرين الأول 2018 يحث السكان على استصدار البطاقات الجديدة ويحظر التعامل ببطاقات النظام في المؤسسات العامة مثل المحاكم والمدارس ومراكز الشرطة. يقول حميد بعاج أحد العاملين في محاكم المنطقة لـ“عين المدينة“، إنه قد ”تم إيقاف العمل بالبطاقات الشخصية الصادرة عن عصابة الأسد. مقابل إصدار بطاقات تعريفية من مديريات السجل المدني في اعزاز وباقي المناطق من مارع وصوران وأخترين وعفرين والباب".

 يمكن استخراج هوية شخصية من هذه المجالس المحلية بإجراء بسيط وسريع وبتكلفة رمزية. يتحدث أحد الأشخاص عن تجربته في هذا السياق "قمت بتصوير 8 صور شخصية خاصة بي. حصلت على ورقة من المختار بمدينة اعزاز تثبت أنني مقيم في المدينة، وفي المجلس المحلي للمدينة قاموا بتبصيمي وتصويري، ثم زودوني ببطاقة زرقاء اللون". بجلسة واحدة لا تتجاوز مدتها ربع ساعة، تمكن هذا الشاب وسواه من الحصول على بطاقة شخصية تمكنه من التجول يسهولة أكثر عبر الحواجز كافة، لاسيما حواجز تلك الفصائل.

 في إدلب التي تديرها "حكومة الإنقاذ" التي تأسست نهاية العام 2017 تحت إشراف أقوى فصيل عسكري يحكم المنطقة وهو "هيئة تحرير الشام"، يمكن لأي شخص الحصول على بطاقة شخصية بسهولة أيضاً، لكن بإجراءات روتينية تجعل العملية أبطأ من نظيرتها في اعزاز والباب، كما تزود "الإنقاذ" السكان المتزوجين ببطاقات أسرية أيضاً، وبتكلفة رمزية.
 
يروي أحد سكان إدلب تجربته في استخراج بطاقة أسرية (دفتر عائلة) فيقول: "كان علي الذهاب إلى المحكمة لتثبيت زواجي، ثم إلى النفوس (السجل المدني) لتسجيل طفلي المولود حديثاً.. ثم حصلت على دفتر عائلة خلال يومين".
 تتم معاملات الزواج كلها في محاكم المناطق التي تخضع لإدارتي المعارضة، ويتم تسجيلها لدى أمانات السجل المدني، وهي الجهة التي تمنح إخراجات القيد والبيانات العائلية، ولا يواجه حاملو هذه البطاقات أية مشاكل تذكر في كامل القطاع المحرر الذي تديره قوتان غير متفقتين.
 
يرفض العديد ممن تحدثنا إليهم من الحقوقيين تسمية الوثائق التي تصدرها سلطات المعارضة بالثبوتية. يقول المحامي غزوان قرنفل (مدير تجمع المحامين السوريين في تركيا) لـ“عين المدينة“ عن هذه الوثائق إنها "يمكن تسميتها وثائق تعريفية أكثر مما هي وثائق ثبوتية.. فهي ليست وثائق رسمية ولا يعترف بها أحد". ويعتبر قرنفل أن الوثائق التي يمنحها النظام هي فقط الوثائق الرسمية فـ"الوثيقة الرسمية هي التي تصدر عن شخص أو جهة لها التفويض والصلاحية القانونية بإصدارها". لذلك لا ينصح  سكان مناطق المعارضة باستخراج الوثائق التي تصدرها السلطات المحلية، خصوصاً إن كانوا سيستخدمونها في معاملات رسمية أو خارج مناطقهم لأن "هذه الوثائق قانونياً هي والعدم سواء" على حد تعبير المحامي "قرنفل".

وتواجه المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي مشكلة عدم امتلاكها قسماً لا بأس به من السجلات المدنية، التي جرى تسليمها للنظام من قبل موظفيها مع انطلاق عمليات تحرير هذه المناطق في العام 2012. أما حكومة الإنقاذ في إدلب فلا تواجه هذه المشكلة، لأن السجلات لا تزال موجودة في المدينة، ما سهَّل عملية استخراج الوثائق.

 يقول عمار شمو مدير السجل المدني في مدينة اعزاز إنه خاض تجربة طويلة في العمل بالوثائق الثبوتية منذ العام 2013، تاريخ تفعيل أمانة السجل المدني. واجهت عمار وزملاءه صعوبات كان أبرزها غياب قسم كبير من السجلات المدنية. منذ ذلك التاريخ يمنح السجل المدني في اعزاز جميع الوثائق المتعلقة بالسجل المدني من واقعات ولادة ووفاة وزواج وطلاق وإخراج قيد فردي وإخراج بيان عائلي.

لمس العاملون في السجل المدني في اعزاز اعترافاً جزئياً بالوثائق التي يمنحونها، لاسيما في تركيا. كما يؤكد عمار شمو أن العديد من الوثائق الصادرة عنهم تم اعتمادها لحامليها في عدد من البلدان مثل ألمانيا وأستراليا وكندا وليبيا ولبنان. لكن ورغم العديد من الإجراءات التي قام بها السجل المدني في اعزاز بالاتفاق مع باقي السجلات المدنية في ريف حلب الشمالي، وأهمها ربط جميع الوثائق الممنوحة إلكترونياً بحيث يستحيل حصول الشخص على بطاقة شخصية أكثر من مرة؛ لا تزال هذه الوثائق تفتقر إلى الاعتراف الدولي ما يجعلها غير رسمية حتى اللحظة.

 *النظام: مال=أوراق ثبوتية

ونتيجة لاعتماد البطاقات الشخصية التي تمنحها المجالس المحلية شمالي حلب كبديل عن بطاقات النظام، يلاحظ الانتشار الواسع لهذه البطاقات الجديدة في تلك المنطقة التي يديرها "الجيش الوطني" مقارنة بمحافظة إدلب، حيث لا يزال سكان الأخيرة يعتمدون على الوثائق التي تمنحها مؤسسات النظام لوجود معابر عديدة بين إدلب ومناطق النظام طوال سنوات ما قبل الاجتياح الأخير الذي انتهى في 6 آذار الماضي باتفاق "الممر الآمن" وإغلاق جميع المنافذ بين المنطقتين حتى اللحظة.

 سابقاً، وفي ظل خروج عدد كبير من الموظفين الذين لا يزالون مسجلين في دوائر النظام من إدلب نحو حماة المجاورة لقبض رواتبهم، كان يمكن لشريحة واسعة من سكان إدلب حصراً الحصول على مختلف الوثائق، وعلى رأسها البطاقات الشخصية والبطاقات الأسرية والشهادات الجامعية والوكالات الخاصة والعامة.

 وقد أدى تنقل الموظفين بين المنطقتين إلى ازدهار مهنة تحصيل الوثائق الثبوتية من مختلف المحافظات تقريباً، حيث يتواصل الشخص الذي يريد الحصول على هذه الوثائق مع شبكة من المحامين الموجودين في مناطق النظام، كدمشق وحلب وحماة للاتفاق على الأتعاب وطريقة تمرير الوثائق بعد استخراجها من الدوائر الحكومية، ثم تمرر عبر موظفين يقطنون في إدلب لصاحبها، سواء كان يقيم في إدلب أو في تركيا أو في أي بلد آخر من بلدان اللجوء.

 بتكلفة باهظة استخرج عدد كبير من السكان الذين تحدثت إليهم ”عين المدينة“، هويات وبيانات ودفاتر عائلية وشهادات جامعية وشهادات المرحلة الإعدادية والثانوية "تاسع وبكالوريا". يقول أحد الذين استخدموا هذه الطريقة حول ذلك "تمكنت من الاتصال مع محام في دمشق عبر واتساب. اتفقنا على تثبيت الزواج وتسجيل طفلي الوحيد مع استخراج بيان عائلي بمبلغ 500 دولار. حولت المبلغ إلى دمشق بالليرة السورية، وفي غضون أيام وصلتني الوثائق".

 لا توجد تسعيرة محددة لكل وثيقة، وتتفاوت المبالغ المدفوعة لاستخراجها تفاوتاً كبيراً يبدأ من 100 دولار حتى تتجاوز الـ1000 دولار. ومن الوثائق التي يصل استخراجها إلى هذا المبلغ الأخير: البطاقة الأسرية، كشوف العلامات الجامعية، الشهادة الجامعية.

 ينصح المحامي غزوان قرنفل سكان مناطق المعارضة بعدم اللجوء إلى هؤلاء المحامين، كون 90 بالمائة من الوثائق التي يستخرجونها مزورة، إضافة لارتفاع تكاليف الحصول عليها. يقول قرنفل: "أنصح باللجوء إلى وكيل قانوني عوضاً عن ذلك.. يلجأ الشخص لتوكيل أحد الأقارب ليستخرج لهم هذه الوثائق، وهذا ما سيوفر عليه مبالغ كبير.