- Home
- مقالات
- رادار المدينة
افتتاح صيدلية في منطقة قسد في دير الزور سهل مثل افتتاح دكان بقالة .. أدوية مغشوشة وقاتلة ومعظم أصحاب الصيدليات بلا شهادة علمية أو بشهادة مزورة
من دون أي ضابط، تتكاثر الصيدليات في منطقة سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في دير الزور، ففي شارع رئيسي واحد في مدينة هجين بلغ عدد الصيدليات (30) صيدلية، كذلك الحال تقريباً في مدن وبلدات المنطقة، التي يعاني القطاع الصحي فيها -ولا سيما الصيدلة- من الفوضى.
بمجرد امتلاك المال الكافي والرغبة يمكن لأي شخص افتتاح صيدلية، وليس من الضروري دوماً حيازة شهادة جامعية في الصيدلة، حقيقية كانت أو مزورة. ووفق تقديرات موظف في لجنة الصحة بمجلس دير الزور المدني، بلغ عدد الصيدليات المفتتحة حتى نهاية تشرين الأول الماضي (725) صيدلية، (100) فقط من أصحاب هذه الصيدليات لديهم شهادة في الصيدلة.
نظرياً هناك إجراءات يجب اتباعها، وموافقات رسمية يجب الحصول عليها لافتتاح صيدلية في قرية أو بلدة أو مدينة ما؛ تبدأ بالمجلس المحلي الخاص بهذا المكان، وتنتهي بلجنة الصحة بمجلس دير الزور المدني، مروراً بنقابة الصيادلة في منطقة قسد في دير الزور. لكن يمكن الاستغناء عن هذه الإجراءات، وافتتاح صيدلية من دون ترخيص، مثلما يفتتح أي دكان بقالة أو محل تجاري.
تعاني جميع المؤسسات الرسمية ذات الصلة بالترخيص إما من الفوضى والفساد مثل المجلس المدني، أو من الضعف مثل نقابة الصيادلة التي تأسست في العام (2019)، دون أن يكون لها أي دور أو صلاحيات، إذ تعاني التهميش وقلة الموارد، ولم يسمع بها كثير من أصحاب الصيدليات، كما يقول عضو في هذه النقابة طلب اغفال اسمه لأسباب أمنية لعين المدينة.
تشكك آلاء وهي صيدلانية تعمل في منطقة قسد بدير الزور، بصدقية الشهادات التي استخدمها بعض مستثمري الصيدليات في الترخيص. تقول لعين المدينة "أعرف تقريباً أغلب الصيدليات بدير الزور، ورقم (100) صيدلاني غير حقيقي، لأن كثير من هؤلاء المائة زوّر شهادته، إما بالشحيل أو بإعزاز"..
في المقابل يستنكر أبو حسام وهو مستثمر لإحدى الصيدليات سؤال عين المدينة عن شهادته، ويقول بأنه خريج معهد صناعي، ولكنه تتلمذ وتعلّم على "يد الشيخ" وهو مستثمر آخر قديم. ويتباهى أبو حسام بخبرته ومهاراته العملية "أنا أعرف اللي ما يعرفونه الصيادلة المتشدقين بشهاداتهم، أريد واحد منهم بس يكون جريئ ويعرف يضرب إبرة روزاكتام عيار (1500) لطفل عمره يومين". في هذا التحدي يتجاهل -أو يجهل- حقيقة أن هذا الدواء يعطى للبالغين فقط، وبموجب وصفة من طبيب مختص.
بين حين وآخر تنشر صفحة لجنة الصحة التابعة لمجلس دير الزور المدني، أخباراً وصوراً عن جولات موظفي مكتب الرقابة الدوائية على الصيدليات ومستودعات الأدوية؛ تبدو هذه الجولات أقرب للدعاية أو لرفع العتب، لأن موظفي هذا المكتب واللجنة التي يتبع لها يفتقرون إلى الموارد اللازمة لتأدية عملهم، وإلى السلطة والقدرة اللازمة على اتخاذ إجراءات عقابية رادعة بحق المخالفين. ويتساءل الموظف بلجنة الصحة "عن أي رقابة تتكلمون؟ وما عندنا موارد بشرية، وما عندنا مخبر لتحليل الأدوية، ولا نملك سلطة حقيقية، وبأي لحظة ممكن نتعرض للقتل!".
سهّل غياب الرقابة انتشار أدوية مجهولة المصدر، مثل المضادات الحيوية ومسكنات الألم والمهدئات، كثير من أصنافها الرائجة في دير الزور مقلدة أو مزورة، ومن السهل اكتشافها على أي بائع أدوية بمجرد النظر إلى عبواتها الكرتونية الغريبة، وملاحظة الألوان فيها، وطريقة التعبئة والتغليف؛ تصنع هذه الأدوية في ورشات بدائية يقع أكثرها في ريف حلب الشمالي والشرقي، كما يقول لعين المدينة طاهر وهو موزع أدوية: "نحن نعرف، والصيادلة يعرفون أنه كثير من الأدوية مزورة، أدوية صينية وهندية، وإيرانية حتى، لكن السوق بحاجة وما عندنا بديل"
بالطبع لا تبيع الصيدليات الأدوية المزورة والمغشوشة فحسب، بل هناك أدوية حقيقية لها مصدران رئيسيان هما مناطق النظام وتركيا مروراً بمنطقة سيطرة المعارضة، وما لا يراعيه معظم مستثمري الصيدليات في بيعهم لهذه الأدوية هو تاريخ انتهاء صلاحيتها، إذ يمكن أن يتجاهلوا ذلك بذريعة أن التاريخ الفعلي لانتهاء صلاحية دواء ما هو أكثر ب (6) أشهر من التاريخ المسجل على علبة الدواء.
في استقصائها السريع عن بعض التأثيرات المباشرة لفوضى الأدوية في دير الزور، عثرت عين المدينة على (3) من ضحايا هذه الفوضى؛ ففي منطقة البصيرة فقدت امرأة طفلها الرضيع بعد أن أعطته مضاداً حيوياً انتهت صلاحيته، وأنكر صاحب الصيدلية الذي باعها الدواء ذلك، ولم يتعرض لأي مسائلة، وما زالت صيدليته تعمل. بينما أنجبت امرأة من بلدة سويدان طفلاً مشوهاً بعدما استخدمت أثناء حملها مرهماً جلدياً اشترته من صيدلية في البلدة؛ وكادت مريضة سكر في بلدة الصور أن تقضي بعد تناولها دواءً منتهي الصلاحية اشترته من صيدلية في البلدة. ولا تعرف هؤلاء النسوة أو أزواجهن -مثلما لا يعرف معظم الضحايا- الطريقة القانونية التي يمكن لهم من خلالها ملاحقة أصحاب الصيدليات المستهترين بحياة المرضى.
لا تنحصر مظاهر الفوضى في قطاع الصيدلية بافتقاد معظم مستثمري الصيدليات للتأهيل العلمي المطلوب، ولا ببيعهم أدوية مغشوشة ومزورة ومنتهية الصلاحية، فهناك مظاهر أخرى منها الافتقاد لتسعيرة دواء موحدة، والأخطر هو تورط بعض مستثمري الصيدليات ببيع أدوية مخدرة أو مخدرات، وفق شائعات محلية متواترة.