- Home
- مقالات
- رادار المدينة
استراتيجية داعش الإعلامية:مرحلة التمدد على حساب الجيش الحر
لا بد أن تسبق أي معركة عسكرية تنوي جهة ما شنّها ضد أخرى معركةٌ إعلامية تبررها وتحشد لها وتمهّد الطريق. وبالطبع يختلف الخطاب من جهة إلى أخرى تبعاً لأيديولوجيتها وعقليّة مناصريها، بل حتى خصومها.
داعش إحدى أبرز أدوات «الصّراع» في سورية. وسنتناول في هذه الأسطر جانباً من استراتيجية ماكينتها الإعلامية عبر استعراض بعض القصص والأحداث التي سبقت وأعقبت بعض معاركها في الشمال السوري.
الجيوش الإلكترونية
يعتمد التنظيم على جيش من المناصرين الإلكترونيين، وهم ثروة هامة استطاع أن يديرها بحرفيّة عالية ويسخّرها في خدمة مشروعه بشكل جيّد. ولا شك في أن غرفة عمليات مركزيّة كانت تقوم على طبخ المادة الإعلامية -قبل إعلان «الخلافة»– وتشرف على دراسة أبعادها واحتمالاتها، وبالتالي التحكم في مخرجاتها وتجييرها لصالح التنظيم، يتولّى بعدها فريق خاص نشر ونقل هذا المحتوى إلى الفضاء الإلكتروني بعد نضوجه!
حملات تشويه السّمعة والكذب المنظّم
في معركة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» مع لواء عاصفة الشمال، أواخر 2013، استبق التنظيم هجومه على مدينة اعزاز بريف حلب، معقل اللواء، بحملة إعلامية ابتدأت بالتخوين والتكفير بذريعة زيارة السيناتور الأميركي جون ماكين لمعبر باب السلامة. وبعد اندلاع الاشتباكات وتمكّن التنظيم بصعوبة من السيطرة على جبل برصايا، أحد أبرز مقرات العاصفة، استمرّت ماكينته الإعلامية في التشويه، فقامت بنشر صور قتلى العاصفة بعد نثر السجائر حول جثثهم. ولكن الأسوأ من ذلك كان في إصدار رسمي لـ«مؤسسة الاعتصام» عرضت فيه تسجيلاً لأحد عناصر «الدولة» وهو يكسر زجاجات فارغة قال إنها استُخرجت من أحد مقرات «مرتدي عاصفة الشمال»، إلا أن الحقيقة كانت مختلفة. فقد استخرجت هذه الزجاجات من مزرعة التاجر المعروف عصام زيتوني، المتزوّج من روسية مسيحيّة. وقد أبقت العاصفة خلال مدة سيطرتها على جميع مقتنيات المزرعة، بما فيها صليب وتمثال لأحد أجداد العائلة، وطاولة «روليت» -تستخدم في لعب القمار- وزجاجات خمر فارغة معروضة في خزانة للزينة.
الهيئة الشرعية في اعزاز ردّت حينها على التنظيم بأنها لم تمسّ هذه المقتنيات لأنها تتّهم زيتوني بالتعامل مع النظام وتركتها كدليل ضدّه، بينما نفى أفراد من عائلة الزيتوني التهمة لكنهم أثبتوا صحّة الصور، ونشروا صوراً قديمة للخزانة وبجانبها أحد أفراد العائلة، وتَظْهرُ فيها الزجاجات الفارغة ذاتها التي أقدم التنظيم على تكسيرها في إصداره متّهماً لواء عاصفة الشمال بتعاطي الخمور في مقرّاته!
وفي معركة تل رفعت استبق تنظيم الدولة عمله العسكريّ بحملة إعلاميّة شعواء، تمكّن فيها من تحشيد مقاتليه وأنصاره عندما أشاع أن زوجات المهاجرين المنتسبين إليه تعرّضن للاغتصاب من عناصر الجبهة الإسلامية، وبعد معركة شرسة أَطلق عليها «الثأر للعفيفات» تمكّن من السّيطرة على المدينة.
الدعاية كقصف تمهيدي
بخلاف المتوقع... لا تهاجم داعش موقعاً أو جماعةً بناءً على مبرّرات دينية، بل تتخذ قراراً بالقتال تنفيذاً لأجندات وأهداف معيّنة، ثم تبحث عن العدوّ المناسب ومبرّرات قتاله. ولنا أن نتساءل، والأمثلة كثيرة جداً: لماذا لم يهاجم التنظيم شخصيات وفصائل أخرى التقت جون ماكين واستهدف تحديداً لواء عاصفة الشمال الذي يسيطر على معبر حدوديّ وكان يحتجز 11 لبنانياً عجز حزب الله عن إطلاق سراحهم بشتى الوسائل؟!
وفي قضيّة تلّ رفعت أيضاً لماذا لم يهاجم التنظيم الجبهة الإسلاميّة المنتشرة على التّراب السوري؟ بل على الأقلّ لماذا لم يهاجم مقرّاتها القريبة من مقرّاته في حلب على أقلّ تقدير؟
للإجابة عن هذا السؤال أطلقتُ في عام 2014 -مع بضعة أصدقاء- شائعة على الإنترنت بهدف مراقبة سلوك التنظيم وطبيعة تعاطيه إعلاميّاً مع هذا الحدث الشائعة، فكان التفاعل أسرعَ مما توقّعنا، ووجد التنظيم في الخبر لقمة سائغة وسرعان ما أطلق منه «هاشتاغ» هاجم فيه خصمه المنافس له مؤخّراً –جبهة النصرة– التي كانت بالأمس القريب شريكه داخل التنظيم الأمّ، وحينها بلغت المعارك أوجها بين التنظيمَيْن في دير الزور.
وبعد مدّة يسيرة عاودنا الكَرّة بشائعة مماثلة، ورغم أن ناسجها واحد ولا تختلف كثيراً عن سابقتها، إلا أنّ تعاطي التنظيم كان مختلفاً هذه المرّة، إذ سرعان ما حوّل الشائعة من الجهة التي أطلقناها إلى عدوّ جديد اتّهمه بها، فقد كان يعدّ العدّة للسطو عليه!