- Home
- مقالات
- رادار المدينة
ارتفاع الأسعار في ريف حلب الشمالي .. اتهام الليرة التركية بالسبب والحنين إلى السورية
ما زال الكثير من السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، خاصة من الفئات التي عاشت سنوات وعيها الأول في فترة حكم الأسد الأب، يتذكرون بنوع من الحنين العملة السورية القديمة. ويتركز الحنين على فئة الخمسمائة ليرة "أم الطربوش" التي يربطونها بما يعتقدون أنه البركة والخير، وذلك كلما عضهم العوز أو أو ارتفعت الأسعار أو دخلوا في دوامة أسعار العملات الجديدة عليهم، في منطقة استبدلت الليرة التركية بالسورية.
"كانت أم الطربوش تكفيني وأسرتي ثمن طعام لمدة أسبوع كامل، أذهب إلى بازار يوم الجمعة أتسوق منه كل احتياجات أسرتي من خضار وفاكهة، أما الآن فلا تشتري ربع كيلوغرام بندورة. الله يرحم قيمتها، كانت مثل الملحفة التي كانت تجعل الشخص يشعر بآمان. يبدو أنه لم يبق بركة للمصاري في الوقت الحالي!".
هكذا تحدث أبو علي البكور في مجلس أغلبه من كبار السن في بلدة تلالين شمالي حلب، يجتمع فيه الرجال كل يوم جمعة بعد صلاة الظهر عند أحد سكان البلدة، ويمكن أن يدور المجلس على كل الحاضرين، بمعنى أن المنزل الذي يجتمعون فيه يختلف كل أسبوع. يتبادل الرجال الأحاديث المتنوعة السياسية والعسكرية والمعيشية، وبعض الأحداث المحلية على مستوى البلدة.
أخذَ حديثُ العملة السورية الورقية مساحةً جيدةً من النقاشِ بينَ مجتّمع المجلس، في إطارِ حديثهم عن الأوضاعِ المعيشية، وبدأ كل رجل يتحدث عن تجربته مع الـ 500 ليرة سورية المعروفة لديهم بـ "أم الطربوش" نسبةً إلى الرأس الظاهر على وجهها الذي يتزين بما يشبه الطربوش.
أم الطربوش التي يحيل إليها اللقب المحلي للعملة، بالحقيقة هي الأميرة الكنعانية "ملقارت" من مدينة أوغاريت في رأس شمرا، والعملة من إصدار عام 1958، وكانت تساوي وقتها 225 دولار أمريكي تقريباً.
شكلتْ في تلك الفترة مبلغاَ ضخماً لا يمكن الأهالي من التعامل بها في مبادلاتهم اليومية الاعتيادية، واستمرت بالصدور حتى عام 1992، وبقي تداولها في الأسواق حتى العام 2010، حين انتهى سحبها بالكامل من التعاملات بين الناس، وكانت تشكل نحو 13 دولاراً قبل إيقاف تداولها، وهي الفترة التي يتحدث عنها البكور خلال حديثه في المجلس.
وأضاف البكور: "أم الطربوش أو ما يماثلها الـ 500 ليرة سورية في الوقت الحالي، لا تشكل سوى بضع سنتات فقط أمام الدولار الأمريكي، ولا يمكنها شراء قطعة بسكويت، بينما كانت تجلب عدة غرامات من الذهب قبل عام 2000".
انهارت الليرة السورية خلال العقد الماضي بشكل متواصل، فبينما كان يقابل كل 40 ليرة سورية دولار واحد أمريكي قبل اندلاعِ الثورة السورية، صار الآن يقابل ما بين 3000 و3400 ليرة دولار واحد، مما دفع سكان ريف حلب الشمالي إلى التوقف عن التعامل بها بشكل كامل منتصف العام 2020 لما سببتهُ من خساراتٍ متعددةٍ للأهالي.
انتقلتْ مُختلف التعامُلاتِ النقديةِ التي يتبادلها الأهالي في ريفِ حلب إلى الليرةِ التركيةِ لكونها أكثرُ استقراراً من الليرةِ السورية، التي شهدت انهياراً ضخماً خلال مدة قصيرة، بينما كانت الليرة التركية يتراوح سعرها أمام الدولار بين 6 و7 ليرات تركية لكل دولار أمريكي.
"لا أقدر أن أتخلى عن الليرة السورية، لا أعرف السبب، كأن فيها بركة أكثر من الليرة التركية، أشعر أنها ذات قيمة وكل قطعة ورقية منها لها منزلة خاصة. لم أعتد على التعامل بالتركي، رغم أن جميع الباعة انتقلوا إلى التعامل بها، لكني أشعر أن قطعة نقدية أو قطعتين أحملهما منها لا تكفي، لذلك صرت أحمل معي عملة سورية بشكل دائم، أعرضها على البائع، وفي حال لم يقبل بها أعطيه تركي".
يحمل محمد الكنجو في جيبه دائماً قطع ورقية من الليرة السورية، ويعتبرها ذات قيمة متميزة عن العملات الأخرى، على الرغم من فقدان قيمتها أمام الدولار الأمريكي، وتوقف التعامل بها.
الكنجو صاحب متجر للمواد الغذائية، يقول أنه تعرض لمواقف محرجة، وذلك عندما يخلط بسبب ضعف بصره بين الليرات التركية وقطع من فئة 25 ليرة سورية أثناء التعامل مع زبائنه في المحل، وأن البعض يعتقد أنه يحاول الغش.
ويضيف: "لم أستطيع التعود على التعامل بالليرة التركية، ويوجد في درج طاولتي الآن ما لا يقل عن 5000 ليرة سورية من القطع الحديدية، وقطع ورقية متنوعة منها أيضاً. لم أستطيع أن أنتقل إلى التعامل بالليرة التركية بالكامل".
أما أبو صالح الذي يتحدث في مجلس آخر عن تبدل العملة، فيشرح أن هامش الربح لدى البائعين صار كبيراً منذ الانتقال إلى التعامل بالليرة التركية، ويضرب مثلاً على ذلك التفاح الذي كان يشتري الكيلو منه بـ 400 ليرة سورية قبل التعامل بالليرة التركية، أما الآن فيشتري الكيلوغرام بـ 4 ليرات تركية، أي بما يعادل 1600 ليرة.
ويضيف: "البائع الذي كان يربح سابقاً ما قيمته بعض أجزاء الليرة التركية، صار الآن يربح ليرة وليرتين، وقد يصل إلى ضعف ثمن القطعة من المواد الغذائية على سبيل المثال، لذلك أعتقد أن التعامل بالليرة السورية أفضل".
ويعتقد الكثير من سكان المنطقة أن الباعة منذ بدء التعامل بالليرة التركية، وضعت أرباحاً غير متناسبة مع قيمتها، معتبرين أن قيمة الليرة التركية الواحدة تساوي ليرة سورية واحدة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع أسعار العديد من المواد الغذائية والخضروات التي يعتمد عليها سكان ريف حلب الشمالي.
وانخفضت قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي خلال الشهور الثلاثة الماضية لتصل إلى حدود 11 ليرة مقابل الدولار الواحد، مما ساهم في ارتفاع العديد من المنتجات الاستهلاكية والضرورية التي يحتاجها أهالي ريف حلب بشكل يومي، ومن أبرزها المحروقات بمختلف أنواعها والمواد الغذائية والأدوية وحتى الخضروات، مما شكل تحدياً كبيراً لدى الأهالي الذين يتقاضون أجورهم ومرتباتهم بالليرة التركية، إذ يتراوح أجر عامل المياومة بين 20 و30 ليرة تركية، بينما يتقاضى موظفو القطاع العام مرتباً شهرياً يتراوح ما بين 400 والـ 900 ليرة تركية.