- Home
- مقالات
- رادار المدينة
إيران تحيي «ليالي حلب الساطعة».. وتحتل المدينة بحاكم وجيش وأمن وتجميعات «ثقافية»
وسط الساحة الأشهر في مدينة حلب (ساحة سعد الله الجابري) المُحاطة بأهم المؤسسات الحكومية وأفرع البنوك ومكاتب الطيران بالإضافة إلى الحديقة العامة، وتحت صورة بانورامية ضمّت قلعة حلب وبشار الأسد، رُفع العلم الإيراني ليأخذ مكانه إلى يمين منصّة نُصبت لإحياء فعالية "ليالي حلب الساطعة" في العشر الأواخر من رمضان! برعايةٍ وتنظيمٍ إيراني عبر "مجمع مهاد الإيراني للثقافة والفنون"، وحضورٍ عسكريّ لميليشيات (فيلق المدافعين عن حلب) ذي الصبغة الشيعية والذي يترأسه الحاج محسن.
الفعالية التي تُقام للعام الثاني على التوالي في حلب تُظهر حضوراً إيرانياً طاغياً، إذ تكاد تتطابق تلك المشهدية مع احتفاليات حزب الله في الضاحية الجنوبية، سواءً من خلال اختيار العشر الأواخر من رمضان لإحيائها والصورة النمطية لرجال بلباس عسكري خال من الأوسمة والرّتب يتصدّرون الصفوف الأولى للجمهور، أو من خلال شكل المنصّة ومُقدّم الحفل والأغاني والأناشيد الحماسية والأعلام المنتشرة لإيران وحزب الله وسوريا، بالإضافة إلى صور ولافتات للخامنئي وأقواله المأثورة.
اللافت في الاحتفالية كان ظهور الأطفال بلباس عسكريّ لتقديم فقراتهم الفنية والمسرحية، والتي تركزت في مُجملها على تعزيز دور "المقاومة والممانعة ونظرية المؤامرة الكونية ودحر الإرهاب"!
"لولا نشيد حماة الديار ما بتحس أنك بسوريا" يقول محمد وهو من سكان حي الجميلية المجاور للساحة، ففي كل يوم تبدأ الاحتفالية الرمضانية بالنشيد، لتبدأ بعدها وصلات دورية متشابهة من أناشيد الميليشيات التي تُحاكي بلحنها اللطميات الشيعية، وحلقات الدبكة على الأغاني الساحلية، وسط حضور يغيب عنه معظم أهالي مدينة حلب كما غابت عنه تقاليدهم وتراثهم وقدودهم.
يتجنّب مُعظم أهالي المدينة المرور بالساحة، إذ بات الدخول إليها يُشبه الدخول إلى ثكنة عسكرية يُعرّضك للتفتيش والمساءلة، إضافة إلى الإساءات التي ترتكبها ميليشيات الفيلق بحق المارّين. ويُفضّل فؤاد (طالب جامعي في حلب) وأصدقاؤه الذهاب إلى المقاهي في الطرف الغربي من المدينة تجنبّاً للمرور بالساحة "فأكثر من نصف الحاضرين يرتدون الألبسة العسكرية ويحملون أسلحتهم ما يثير الخوف في قلوب الناس"، ويتساءل فؤاد "لماذا كل هذا الخوف، مو على أساس حلب تحررت؟"
الحاج محسن، الحاضر الدائم في الاحتفاليات الحلبية، والذي يُعرّف عنه مُقدّم الحفل دائماً باسمه الأول دون كنيته وبلاحقة الحاج (ترجّح المصادر أنه إيراني الجنسية) يجلس صامتاً دائماً بذقن مُشذّبه وبزّة عسكرية خالية من الأوسمة والرتب، ليتصرف كحاكم فعلي في المدينة، فهو الذي يُكرّم المُشاركين في الفعاليات، وباسمه ورعايته تنطلق المهرجانات، حتى وصل الأمر بالحاج محسن إلى تكريم مدير ثقافة حلب جابر الساجور "لجهوده المبذولة وعطائه المستمر في رفع السوية الثقافية والفنية بحلب، وإظهار الوعي الوطني بمواجهة الفكر الظلامي التكفيري وقوى الاستكبار والإرهاب على سوريا"، ويطوف بوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في أرجاء المكان، وبوزير السياحة، في العام الماضي، بشر اليازجي في فعالية "حلب تنبض بالحياة" التي رعاها (مجمع الثقلين الإيرانيّ) ليُخبرهم عن صمود حلب وإصرارها على الحياة، وكأنّ على المرء أن يُكرَم في داره خلافاً للمثل الشائع والمتداول.
تغيب أصداء الفعالية في الإعلام الرسمي السوري الذي لم يواكب أيّاً من أنشطتها، بل يكتفي بدور المتفرّج حاله كحال وزرائه ومسؤوليه، في الوقت الذي تنقل قنوات إيرانية أصداء هذه الاحتفاليات والتحضير لها.
يُسيطر (فيلق المدافعين عن حلب) بأذرعه الثقافية الإيرانية (مجمع مهاد ومجمع الصراط الثقافي ومجمع الثقلين ومؤسسة أوج) على مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية في المدينة، وعبر العناصر التابعة له من الشباب الذين تطوعوا للخدمة في الفيلق، إضافة إلى أذرعه العسكرية (انضوت تحت اسم الفيلق معظم الميليشيات السورية والأجنبية في حلب منذ تأسيسه في 27/2/2017، وأهمها ميليشيات الدفاع المحلي التي كان يرأسها العميد هيثم النايف الذي قُتل منذ شهرين على طريق السلمية)، يفرض الفيلق سيطرته على مناحي الحياة الأمنية والعسكرية كرديف لجيش النظام الذي تضاءل وجوده في حلب لصالح الفيلق الذي قسّم المدينة إلى أربعة مربعات ابتداء من حي السليمانية (المربع الأول والنقطة صفر)، يُقسّم كلّ مربع إلى قطاعات، ويترأس كل قطاع (حيّ أو أكثر) مسؤولاً عسكرياً منه يرعى شؤونه في الجوانب المختلفة.