- Home
- مقالات
- رادار المدينة
إلفيرا كارييفاعروس داعش المغدورة
لم تجذب داعش الشباب والرجال فحسب، بل الفتيات والنساء أيضاً؛ ليصبح الفردوس الإسلامي المفقود، بين عامي 2014 و2015، قبلة كل الحالمين والحالمات بالعيش في ربوع أراضيه. ومن اللواتي رغبن جداً في القدوم إلى هناك الشيشانية إلفيرا كارييفا، التي تحملت الصعاب والمشقات والمخاطر من أجل العيش في «الدولة الإسلامية» عام 2015.
ولدت إلفيرا في مدينة قراتشايفسك 1988، وعاشت مع والديها حتى عمر خمس سنوات، ثم مع والدها بسبب طلاقهما، لكنه سرعان ما توفي لتنتقل إلى العيش مع جدتها. أنهت إلفيرا المدرسة بدرجات جيدة، ثم درست في أكاديمية شمال القوقاز الحكومية للعلوم الإنسانية والتقنية.
حضرت إلفيرا وشقيقتها دورات لتعليم القرآن وهي في المدرسة، بعدما أرسلتها جدتها إلى هناك؛ حيث تواصلت مع أحد حاملي الفكر الإسلامي الجهادي. استمرت علاقتهما لوقت طويل حتى قُتل في عملية خاصة لقوات الأمن الروسي. في تأبينه التقت إلفيرا مع صديقه، الذي كان مطلوباً للأمن الروسي أيضاً، وتزوجا عام 2007. عاشت معه في الغابات لمدة خمسة أشهر وتحملت شتى أنواع العذاب والخوف، ثم أنجبت منه ابنة. قتلت قوات الأمن الروسية الرجل بعد ذلك، ليتهم أقاربه إلفيرا بالوقوف وراء مقتله، لكن دون أدلة.
منذ تلك اللحظة بدأت شائعات التعامل مع المخابرات الروسية تلاحق إلفيرا. ولكن هذا لم يمنع زواجها ثلاث مرات متتالية من أعضاء في الجماعات الإسلامية الراديكالية القوقازية، كان آخرهم عليم زانكيشيف، أمير ديوان الخدمة المدنية حينذاك، الذي لم يقرر الزواج منها فور تعرفه إليها خوفاً من التجسس على عروسه وجعلها طعماً له.
جُرحت إلفيرا واعتقلت إثر عملية روسية عام 2012، قتل خلالها خمسة مقاتلين وزوجة أحدهم. أقر بعض رفاقهم بأنه هنا -أثناء اعتقالها على ما يبدو- حاول الروس تجنيدها. قتل زانكيشيف عندما كانت إلفيرا في السجن، لتتزوج مجدداً وبسرعة مذهلة من إسلامي آخر محكوم بالسجن أيضاً. بعد الإفراج عنها وُضعت تحت مراقبة الشرطة الروسية والمقاتلين الشيشان في آن معاً. ولذلك أخذت ابنتها وذهبت إلى تركيا، ومن هناك انتقلت إلى مناطق داعش، لتتزوج مرة أخرى من الجهادي علي (أبو مسلم) ابن منطقة قبردينو بلقاريا الروسية، الذي ادعت داعش أن إلفيرا سممته.
على الأرجح، بدأت أجهزة داعش الأمنية تشك في تجسسها بعد فترة وجيزة من وصولها، عندما أعطى بعض المقاتلين القوقازيين معلومات عنها للأمنيين، ليتم احتجازها والتحقيق معها. نفت إلفيرا كل شيء، لكن إرسال مقاتلين أنغوشيين شريطاً مسجلاً لحديثها مع المحققين أثناء الاستجواب، زُعم أنه يثبت تورطها بالعمالة للمخابرات الروسية، جعل التنظيم يحكم عليها بالموت.
من الواضح أن الأمنيين الروس حاولوا تجنيدها، مثلما يحاولون تجنيد جميع المعتقلات من هذا الوسط تقريباً. لكن من الصعب جداً تخيل أن إلفيرا يمكنها القيام بمثل هذه المهمة الخطرة، لا سيما وقد اصطحبت معها ابنتها. على الأرجح، حاول شخص ما من أمنيي داعش «فك لغز المرأة الشيشانية» التي قتل جميع أزواجها وبقيت على قيد الحياة مثيرة الشكوك، ليحصل على مكافأة مالية سخية قد تصل إلى خمسة آلاف دولار. أو أن مقاتلي داعش القوقازيين، ويشكلون لوبياً قوياً ومؤثراً في التنظيم، قرورا التخلص منها بطريقة أو أخرى كي لا تكشف حقيقة ارتباط بعضهم بالمخابرات الروسية، وإلا كيف تم تسريب شريط التحقيق إلى داعش؟!
أحبت إلفيرا الجهاد والمجاهدين، وأرادت دائماً أن تكون زوجة مجاهد. وهذا أمر طبيعي في علم النفس الجنسي، لأن المرأة في كثير من الأحيان تعتاد نموذجاً واحداً من الرجال، وفي حال فقدانه تحاول العثور على شبيه له وتقترن به، ليصبح الأمر بعد ذلك أقرب إلى المتلازمة المرضية.
كانت كارييفا امرأة يتيمة وأرملة وحيدة ذهبت لترتب حياتها من جديد، لأن حياة النساء اللواتي أدين أزواجهن بالانتماء إلى تنظيمات إسلامية سرية ممنوعة في روسيا تكاد لا تطاق، إذ يوضعن تحت المراقبة، ويتم احتجازهن بشكل منتظم، وتفتيشهن دائماً، ويجدن صعوبات كبيرة في الحياة، ويواجهن عقبات لا يمكن التغلب عليها تقريباً أثناء محاولة البحث عن عمل أو وظيفة أو استئجار شقة. وكذلك تظهر مشاكل لدى أطفالهن في المدارس، والكثيرات منهن لا يحصلن على مخصصات الدولة للأطفال، وبالكاد يكافحن من أجل البقاء على قيد الحياة... إنهن يائسات محبطات، وعلى استعداد للهرب «حتى إلى سطح القمر».