- Home
- مقالات
- رأي
أمريكا و«داعش» عوامل قوة «سورية الديمقراطية»
نتساءل لماذا «قوات سورية الديمقراطية» في حالة تقدم متواصل، وتخلو المناطق التي تدخل تحت سيطرتها من الاضطرابات؟
منذ تشكلها في تشرين الأول من العام الماضي، ما تزال «قوات سورية الديمقراطية» التي يُشار إليها ب «قسد» اختصاراً، توسع رقعة الأرض وكتل السكان الخاضعين لها. تألفت «قسد» من وحدات حماية الشعب الكردية ( ypg ) وهي أهم الأذرع المسلحة لحزب الاتحاد الديمقراطي (pyd )، وغدت هذه الوحدات العمود الفقري ل «سوريا الديمقراطية»، إلى جانب مجموعات آشورية وسريانية وشركسية صغيرة في محافظة الحسكة على وجه الخصوص، وكذلك مجموعات عربية مختلفة، مثل مجموعة الصناديد الموالية لنظام الأسد التي أسسها حميدي دهام الجربا زعيم عشيرة شمر والحاكم المشترك لما يسمى ب«كانتون الجزيرة» وفق تعابير (pyd )، وانضم إلى قسد في أوقات لاحقة كتائب صغيرة وشكلية من الجيش الحر في الرقة، قبل أن يضطر لواء ثوار الرقة إلى الانضمام لهذه القوات. وقبل إطلاق معارك مدينة منبج ضد تنظيم «داعش» شكلت كتائب جيش حر سابقة مجلس منبج العسكري تحت رعاية «قوات سوريا الديمقراطية»، وحاول هذا المجلس أن يبدو حليفاً وليس تابعاً لها، وستكشف الأسابيع القادمة الأهمية الحقيقية لهذا المجلس من خلال دوره المفترض في حماية وإدارة منبج بعد طرد «داعش» منها.
ويعزى التضخم المتسارع لأدوار «قسد» و تمددها على الأرض السورية لعاملين رئيسيين، هما:
1 - النظرة الأمريكية ل«قوات سوريا الديمقراطية» باعتبارها الشريك المناسب في محاربة تنظيم «داعش»، وما يترتب على ذلك من دعم ومساندة عسكرية لهذه القوات، وخاصة في سلاح الطيران المشارك دوماً في كل معركة تخوضها ضد «داعش»، إضافة إلى إمدادات الذخيرة والسلاح والخدمات اللوجستية المتنوعة، فضلاً عن مرافقة مستشارين عسكريين أمريكيين لها، في الوقت الذي رفضت وترفض فيه الولايات المتحدة شراكات أخرى مع فصائل الجيش الحر والفصائل الأسلامية التي تحارب التنظيم، إلا بشروط يستحيل على هذه الفصائل القبول بها، ولعل أهمها على الإطلاق، الشرط الأمريكي بأن تنصرف هذه الفصائل لقتال «داعش» فقط، وتتوقف عن المشاركة في المعارك ضد نظام بشار الأسد، حتى في الحالات الحرجة التي تتعرض فيها المناطق التي تتمركز فيها هذه الفصائل لهجمات قوات الأسد، مثلما حدث مع لواء المعتصم المدعوم أمريكياً، حين انخرط مع فصائل الجيش الحر الأخرى في ريف حلب الشمالي للتصدي لهجوم قوات الأسد على هذا الريف في شهر شباط من هذا العام. وحتماً لن تضطر «قسد» إلى اختبار شبيه من جانب النظام، وهي التي شاركت النظام عبر نواتها الرئيسية (pyd ) في قمع ثم محاربة الثوار في مدن محافظة الحسكة ومدينتي عين العرب/كوباني وعفرين، ثم شاركته كذلك في التصدي لتنظيم «داعش» قبل وبعد تشكل التحالف الدولي لمحاربة التنظيم في أيلول من العام 2014.
2 - العامل الثاني في قوة «قسد» هو السلوك الوحشي والمجنون لتنظيم «داعش» تجاه السكان في المناطق الخاضعة لسيطرته، الأمر الذي دفع بهم إلى تقبل أي خيار يخلصهم من هذا التنظيم، حتى لو حمل هذا الخلاص تهديداً مستقبلياً لهويتهم ولحرياتهم أو بعضها، فطالما شكلت «داعش» الخيار الأسوأ بين خيارات سيئة أيضاً بالنسبة لهم، ولعل أحوال السكان اليوم في بلدات وقرى ريف الرقة الشمالي، هي النموذج المعبر عن حال كل مجتمع يتحرر من «داعش» ويخضع لسلطة «قسد» وهي الواجهة الملطفة لسلطة (pyd) الفعلية. لكن ربما يساعد حرص هذا الحزب الفاشي على صورته في تفادي تكرار أو تقليص حجم الانتهاكات الصارخة لحقوق السكان العرب، من تهجير لقرى عدة بين محافظتي الحسكة والرقة ومؤخراً حلب، و اعتقالات تعسفية بتهمة الانتماء إلى «داعش» و تمييز عنصري في السلوك اليومي تجاه هؤلاء السكان. ويشكل الخلاص من «داعش» اليوم أولوية لكثير من الناس ولو بمساعدة «الشياطين الزرق»، وفق ما يقول البعض، تعبيراً عن الرغبة العاجلة بهذا الخلاص.
وقبل أن تنال الذاكرة العامة في كل بقعة يطرد منها تنظيم «داعش» قسطاً من الراحة من هول ما فعله التنظيم، لن تحدث اضطرابات ذات أهمية، بتأثير النوع الجديد من المظالم التي يحملها الحكام الجدد لهذه البقاع، وقبل أن تضمد الجراح التي خلفتها «داعش» في الضمير العام، لن تجد الأنفس قدرة على الشكوى من جراح جديدة، مؤلمة هي الأخرى.