- Home
- مقالات
- رادار المدينة
ألبسة العيد في إدلب.. الاكتفاء بأخذ الصور بها واللجوء إلى تدوير القديمة
أجبرت الظروف الاقتصادية العديد من الأمهات في إدلب على اللجوء إلى مبادلة ألبسة أطفالهن التي اشترينها في أعياد سابقة بأخرى لأطفال الجارات أو الأخوات، أو إعادة تفصيل ألبسة قديمة لدى خياطات تعملن في المنزل بأجور زهيدة. بينما تحاول بعضهن لتمرير تلك الحيل وغيرها، أن يقنعن أطفالهن بالمرور على المحلات وقياس الألبسة الجديدة فيها وأخذ الصور بها دون شرائها.
تواضب السيدة أسماء (24 عاماً) منذ بداية شهر رمضان على التجول في أسواق الألبسة بمدينة إدلب دون اصطحاب أطفالها، رغبةً منها في إيجاد ملابس تناسب إمكانياتها المادية، لا سيما وأنها والدة لـثلاثة أطفال بنتين وصبي.
تقول أسماء أن كل محاولتها باءت بالفشل، ولم تستطع الحصول على شيء مناسب في ظل ارتفاع الأسعار بشكل كبير وتراجع دخل زوجها. وبحسبة بسيطة فإن متوسط ما يمكن أن تدفعه السيدة لشراء ملابس العيد لأطفالها فقط قد يتجاوز 70 دولاراً أمريكياً، وهو ما يعادل أجرة عمل لأكثر من شهر.
لذلك قررت السيدة أن تجري عملية مبادلة لألبسة العام الماضي مع أحد جاراتها، على أن تجري بعيداً عن أعين الأطفال "ملابس العيد غالباً تبقى على حالها، لأننا نسمح للأطفال بارتدائها خلال أيام العيد فقط ولساعات قليلة" تقول أسماء. وتوضح أنها اعتادت هذه الطريقة منذ سنوات عدة "بصعوبة بالغة نستطيع شراء قطعة ملابس، لذلك يجب الحفاظ عليها".
ولأن عملية تدوير الألبسة بين أطفالها أخذت الحد الكافي، وقد اشترت السيدة الملابس في رمضان الماضي، واستخدمتها لعيدين متتاليين، ثم أعطت ثوب ابنتها الكبرى للصغرى ولبسته في حفلة عرس، وبدلت ثياب طفلها الصغير مع ثياب ابن أختها؛ لجأت إلى الاتفاق مع جارتها على مبادلة ملابس الأطفال، وتلخص مختتمة حديثها "وهيك بيلبس ولادي ثياب مختلفة لهاد العيد، وبفكروا إنها جديدة".
بينما تقول السيدة رباح (34 عاماً) المهجرة من دمشق وتقيم في إدلب، أنها لا ترفض رغبة أطفالها بالذهاب إلى السوق ومعاينة الألبسة وارتدائها بغرض تجريبها والتقاط الصور فيها، ونشرها عبر مجموعات التواصل الاجتماعي لجمع اللايكات وسؤال المتابعين إن كانت الألبسة مناسبة لهم أم لا، وهي دائماً جاهزة لتقديم الذرائع التي تشغل بها أطفالها عن شراء الألبسة "كبير، ما كتير عجبني، لسا منلاقي أحلى" وهكذا حتى تنقضي أيام رمضان، وتُنسي فرحة العيد الأطفال مسألة شراء الملابس.
ورغم مشارفة الشهر المبارك على الانتهاء، وحركة الأسواق في إدلب تعج بالمارة والزوار، فإن المحال تفتقر للزبائن. كما أن البضاعة المعروضة في الأسواق تتشابه بالنوع والألوان، بينما تختلف أسعارها بفروقات طفيفة من سوق لآخر وتتشارك بالغلاء.
"لو في بديل لبيع المصلحة بقشرة بصلة" يقول عثمان صاحب أحد محلات الألبسة بسوق الخمارة في إدلب، ويوضح أنه اكتفى بتشكيلة ملابس بسيطة لهذا العام مع تراجع حركة البيع والشراء بشكل كبير، وزيادة الزوار الذين يلتقطون صوراً لأطفالهم بالملابس مكتفين بالسؤال عن السعر والتعليق بـ"يالطيف أسعار نار! مافي أرخص؟ منرجع إن شاء الله، الله يجبر"، وهو الأمر الذي دفع عثمان إلى عرض قطع قليلة بالمحل مع وضع سعرها النهائي، ولافتة كتب عليها "لا تبديل ولا ترجيع، وإن لم يكن لديك عمل فدعنا نعمل".
لا يوجد ضابط محدد لأسعار الألبسة، إذ يتم تحديدها وفق حركة السوق والعرض والطلب، وتعتبر المواسم كالعيد وتقلب الفصول وافتتاح المدارس أبرز المحطات التي يستثمرها باعة الألبسة لفرض أسعارهم، التي تختلف من منطقة لأخرى ضمن محافظة إدلب، ويلاحظ فروقات بين محل وآخر ضمن السوق ذاته، ويرجع ذلك لمزاجية البائع وطبيعة زبائنه.
وتتراوح أسعار ملابس الأطفال بين 20 و 50 دولاراً أمريكياً لفستان البنات، وبين 10 و 40 دولاراً للطقم الصبياني، ويبدأ سعر قطع ملابس العيد النسائية من 22 وصىولاً إلى 200 دولار، بينما تتراوح أسعار ملابس الرجال بين 5 و 70 دولاراً أمريكياً.
وتكثر على صفحات التواصل الاجتماعي المحلية المنشورات التي تطالب المتابعين بالمساعدة لإيجاد محال ألبسة تبيع بأسعار رخيصة، سواءً كانت ملابس جديدة أم مستعملة (بالة) وهي على درجات منها الأوربي المستورد والمحلي، كما تنتشر عبارات مضحكة مبكية كقول أحدهم "بخصوص لبس العيد عندك حلين، يا بتبيع كليتك، أو بتدبر محل ما عندو كاميرات مراقبة".
في حين تلجأ بعض السيدات إلى إعادة تدوير الملابس بالاستعانة بخياطات يعملن من منازلهن وبأجور بسيطة، ويكون مصدر القماش قطع قديمة من ملابسهن أحياناً، أو أقمشة جاهزة تراجع الطلب عليها وتباع بأسعار مقبولة.
وتقول أم جواد وهي خياطة تعمل في منزلها ببلدة الفوعة، أنها تلقت منذ بداية شهر رمضان عشرات الطلبات لتفصيل فساتين للبنات وأطقم للأولاد، موضحةً أن القماش الذي تخيطه هو غالباً قديم، ما يفرض عليها القالب الذي سيتم على أساسه تفصيل قطعة الملابس. وتستطرد "الشغل بالقماش القديم بدو شغل دبل عن العادي، وبحاول طلع أحلى ما عندي... خلي الولاد تفرح". وحول الأجور التي تتقاضاها تضيف السيدة "مافي أجر محدد، باخد مبلغ من صاحبة القطعة بتدفعوا عن طيب خاطرها".
ورغم أن بعض العوائل تستطيع اللجوء إلى طرق التحايل على الواقع المعيشي، فإن حالة عجز واضحة في القدرة الشرائية تبقى تفرض نفسها، لا سيما مع زيادة معدلات الفقر وارتفاع نسبة البطالة.
وبحسب فريق "منسقو استجابة سوريا" فإن نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر في إدلب تصل إلى 89.24 بالمئة، بينما ترتفع نسبة العائلات التي وصلت إلى الجوع إلى 39.64 بالمئة. في الوقت الذي تزايدت فيه معدلات البطالة بين المدنيين، حيث ارتفعت مؤشرات البطالة عن الشهر الماضي بنسبة 2.3 بالمئة بعد فقدان أكثر من 11,372 عائلة مصادر دخلها نتيجة الزلزال الأخير الذي تعرضت له المنطقة، ووصلت نسبة البطالة العامة إلى 87.3 بالمئة بشكل وسطي، مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة.