- Home
- مقالات
- رادار المدينة
أعراس لمّ الشملعرس بلا عريس إلا بصورة مجسمة أو عبر السكايب
إنه العرس بكل ما فيه من هوس للفرح. تتصدر العروس المشهد بثوب أبيض مزركش. تزدحم الصالة بالمعازيم من الأقارب والأصدقاء. حالة من السعادة المفتعلة أحياناً. موسيقى صاخبة. يتمايل الحضور. تنطلق الزغاريد مع ظهور العريس على شاشة اللابتوب.
تضع والدته الجهاز على الكرسي (الأسكي) إلى جانب العروس. يعلو صوت الحضور مباركين مهنئين. يتقطع صوت العريس أحياناً، حسب سرعة النت. تجمد الصورة أحياناً، ويسبقها الصوت أحياناً، ثم ينقطع الاتصال، ليبدأ الهرج والمرج، وتتعالى الأصوات منادية على (It) المسؤول عن متابعة جودة الاتصال مع العريس، الطبيب الملاحق من أجهزة الأمن، اللاجئ اليوم في بلد أوربي. لحظات عصيبة على الأم التي تزوج ابنها في غربته وترضى بحضوره عبر الشاشة، فلا خيار آخر «يعني معقولة ابني ما يحضر عرسه، لو شو ما كان». يبدو خيار السكايب ذكياً في ظل انتشار وسائل التواصل التقنية. زينة (28 سنة) صيدلانية، انتظرت لم شمّلها مع خطيبها طيلة عامين: «حبينا بعض بالجامعة، وخطبنا سنتين قبل ما يسافر، وصرلي سنتين بستنى لم الشمل». «حماتي بدها ابنها يحضر العرس ع سكايب، بالبداية استغربنا انا وخطيبي الفكرة، بس بعدين وافقنا كرمال إمه، و«السكايب أهون من مجسّم».
قبل عرس زينة بأسبوعين حضرنا عرس صديقة أخرى، أصرت والدة عريسها، الهارب من الخدمة الإلزامية في جيش النظام، على حضور ابنها العرس على شكل صورة مجسّمة من الورق المقوى، كان الأمر مضحكاً، لكن العروس لم تستطع منع نفسها من البكاء حين طلبت الأم من المصوّر أن يلتقط صورة للعروس معانقة صورة ابنها المجسمة؛ لم يكتمل العرس يومها. غرقت العروس بالبكاء، وقررت إنهاء العرس المسخرة كما وصفته لي فيما بعد: «مو معقول الشي اللي عملتو حماتي، يعني بعرف انو قلبها محروق ع ابنها، بس مو هيك، شوهالبهدلة!». لم يكن بالإمكان إحضار العريس تقنياً، فالعرس تم في مزرعة في أطراف مدينة جرمانا بريف دمشق، حيث لا تصل شبكة الإنترنت، أو يد الأمن، وخيار المزرعة لا مفر منه، فعدد لا بأس به من أقرباء العروسين مطلوب للنظام، أخ وعم، حتى والد العريس مطلوب بسبب تقرير عن خروجه في مظاهرة قبل عامين في مدينة السويداء. لم تعلم نسرين بخطط حماتها عن المجسم، فالأخيرة تحدثت أنها تريد وضع صورة للعريس على كرسي الأسكي، ونسرين لم تعترض، على الرغم من اعتقادها أن المشهد سيبدو وكأنه مأتم. لكنها فوجئت بالصورة مجسمة.
تتحايل العائلات في الأعراس كي تعوض عن غياب الابن، حتى يصل الأمر إلى خيارات غرائبية، لكن أحداً لم يعد يكترث فعلاً، فالظرف القاسي لغياب الأبناء ورحيل البنات، بعد لم شملهن، يبدو أقسى من أن يعيب أحد على أم محاولتها للاحتفال بابنها في غيابه.
لمياء فنانة تشكيلية سافر خطيبها عازف الكمان إلى أوربا لإحياء حفل، وطلب اللجوء هناك قبل عام ونصف؛ قبل حوالي أسبوعين من العرس جاءت الموافقة على لمّ الشمل والفيزا لمدة شهر، تقول لميا: «ما بلحق أعمل شي، أساساً ما كنت مقررة أعمل عرس». اكتفت لميا بحفلة وداع: «أهلي وأهلو ورفقاتي القراب، على السطح عند أهلي وخلصنا، بدون حتى فستان أبيض». لتستعد للسفر في غضون عشرة أيام.
تميل معظم العائلات إلى هذا الحل. حفلة وداع بسيطة للعروس بحضور العائلتين وبعض المقربين، بعيداً عما يمكن وصفه بالعرس، ولأسباب مختلفة، غياب العريس أهمها، والظرف المادي في ظل وضع اقتصادي متدهور مع قصر ذات يد العريس في بلاد اللجوء.
من جهة أخرى لا مفر من القبول بهذا النوع من الزواج، من وجهة نظر أهل العروس، إذ لم يبق في البلد شبان مؤهلون للزواج إلا ولديهم ما يخشون منه، على الأقل الخدمة الإلزامية والاحتياط، هذا إذا استثنينا الأسباب الأخرى الاقتصادية منها والأمنية. نسرين التي تجاوزت الثلاثين قبِل أهلها خطبتها إلى ملهم على مضض، قبل سفره، إذ حسب قول الأم تجاوزت ابنتها سن الزواج، ولا تريد أن «يفوتها القطار» حسب تعبيرها: «الناس ما بهمها إنو حرب، بس بنت صارت 30 بقولو عنها عانس، ومن الآخر يا دوب تلحق تجبلها ولدين لكبرتها». ملهم الذي تجاوز 38 طٌلب إلى الاحتياط، قبل سفره ببضعة أشهر، وحين قرر الهرب خارج البلد، أصرت والدته على أن تخطب له، ووقع الخيار على ابنة عمته نسرين. تقول أم ملهم: «الغربة كربة، ع القليلة يكون جنبو مرة تونسه».
تعددت الأسباب والألم واحد، محاولات التحايل على الواقع تستمر ما استمر الوجع. فرح ناقص. حتى الحزن يبدو أحياناً مبتذلاً، وبلا جدوى بطبيعة الحال.