- Home
- مقالات
- رادار المدينة
أزمة المياه تفاقم معاناة السوريين
تعدّدت الأسباب والنتيجة ندرةٌ في المياه
كان قصف قوات النظام المستمرّ للمناطق الخارجة عن سيطرته كفيلاً بتدمير البنى التحتية وشبكات المياه وبوقف محطات الضخّ. وما لم يدمره القصف أوقفته الأعطال وغلاء الوقود، بالإضافة إلى غياب التخطيط والعمل المؤسساتيّ وعدم وجود جهةٍ مختصّةٍ تحلّ محلّ المؤسّسة العامة للمياه التي انسحبت من الشمال السوريّ. جعلت كل هذه الأسباب شريحةً واسعةً من سكان الشمال تعاني من نقص المياه بشكلٍ عامٍّ وندرة المياه الصالحة للشرب بشكلٍ خاص.
حدثنا مصطفى قدّور، رئيس المجلس المحليّ ببلدة النقيّر بريف إدلب الجنوبيّ، قائلاً: «تثقل أزمة المياه كاهل المواطنين في المناطق المحرّرة وتزيد من الأعباء المالية عليهم. ومن أهم أسباب هذه الأزمة تعمد النظام قصف خزانات المياه، وقطع التيار الكهربائيّ عن مناطقنا منذ بداية عام 2012، وعدم قدرة المنظمات على تلبية الاحتياجات الكبيرة والتكاليف الباهظة لحفر الآبار أو إعادة تأهيل القديمة منها».
نتائج نقص المياه
ضاعف تدهور قطاع المياه في إدلب من معاناة الناس. فليست الصعوبة في تأمين المياه اللازمة للاستخدام اليوميّ والشرب فقط، بل في زيادة الاعباء المالية المترتبة. إذ يصل سعر خزّان الماء سعة 3 آلاف لتر إلى 5 آلاف ليرةٍ سوريةٍ في بعض المناطق، وتحتاج الأسرة المكوّنة من خمسة أفرادٍ إلى خزّانين في الشهر، أي أن الموظف يحتاج إلى ربع راتبه ثمناً للماء. يعمل أبو سليم، من أهالي معرة حرمة في ريف إدلب، في نقل المياه إلى المنازل، ويقول: «يعود سبب ارتفاع ثمن صهريج الماء إلى ارتفاع تكاليف النقل بسبب غلاء الوقود والمسافة التي نقطعها للحصول على المياه. وليس هناك سعرٌ ثابتٌ للصهريج بسبب عدم استقرار سعر المحروقات».
بينما راح البعض يعتمد على المياه المعبأة في قوارير بسبب صعوبة الحصول على المياه النظيفة. ولكن غلاء هذه المياه دفع الناس إلى الاقتصاد في استعمالها، ما نتج عنه الكثير من الأمراض المتعلقة بالنظافة وأدى إلى انتشار القمل في بعض التجمعات، وخاصّةً بين النازحين في المخيمات. وبما أن نقل المياه وتخزينها يتمّان في الغالب بطرقٍ بدائيةٍ أو بصهاريج غير نظيفة، فقد أسهم ذلك في انتشار الأمراض الناتجة عن التلوث، وسجلت المشافي والمستوصفات حالات تسممٍ وإصابةٍ بالحمى التيفية، وحذرت منظماتٌ محليةٌ ودوليةٌ من خطورة تلوث المياه.
حلولٌ خففت من تفاقم الأزمة
عملت بعض المجالس المحلية على تأهيل الشبكات وإعادتها إلى العمل وصيانة المضخات، كما حصل في مدينة كفرنبل. وفي بعض القرى قام الأهالي بحفر آبارٍ خاصّةٍ بالقرب من المنازل بعمقٍ يتراوح بين 6 إلى 8 أمتار لتجميع مياه الشتاء وإعادة استخدامها في الصيف. وفي بلداتٍ كثيرةٍ في الريفين الشماليّ والجنوبيّ لإدلب تعاون بعض الأهالي لحفر آبارٍ بعمقٍ يصل إلى 400 مترٍ للوصول للمياه الجوفية وضخها إلى المنازل بمساعدة المنظمات المهتمة. واضطرّ سكان بعض المناطق إلى نقل المياه باستخدام الجرّارات الزراعية والسيارات من آبارٍ خاصّةٍ إلى المنازل، واستخدم أهالي بعض القرى الحمير للتخفيف من التكاليف، فيقوم صاحب الحمار بتعبئة الماء في (الراوية)، وهي كيسان ملتصقان من البلاستيك القاسي، وتتسع لـ100 لتر.
يقول إبراهيم، أحد سكان بلدة القيسية في ريف جسر الشغور: «لم نرَ قطرة ماءٍ تنزل من الحنفية منذ أربع سنوات، الأمر الذي اضطرّنا إلى البحث عن طرقٍ بديلةٍ تختلف بين فصلي الصيف والشتاء، ففي الشتاء نعتمد على تجميع مياه المطر في الآبار، أما في الصيف فنملأ تلك الآبار بشراء الماء من الصهاريج المتنقلة».
للمنظمات دورٌ خجول
أطلقت الحملة الوطنية السعودية لنصرة السوريين، في بداية شهر آب الماضي، مشروع «شقيقي اشرب نقياً»، بهدف إدخال التجهيزات اللازمة لتطوير محطات تنقية المياه إلى الشمال السوريّ وتغطية احتياج النازحين بمياه الشرب، وتأمين خزّاناتٍ إضافيةٍ لحفظها، والعمل على توسيع نقاط توزيعها ضمن شبكة أنابيب كاملة. كما عملت بعض المنظمات الإنسانية على تأمين مياه الشرب من خلال عدة مشاريع صغيرة في بلداتٍ وقرى في ريف إدلب، أو نقل المياه بالصهاريج للمحتاجين كحلٍّ مؤقت. وانحصرت معظم مساهمات المنظمات حتى الآن في إعادة تأهيل بعض الآبار والمضخات دون خطةٍ إستراتيجيةٍ تحكم عملها أو تنظمه، ما نتج عنه ضعفٌ في فاعلية المشاريع الصغيرة لتوزيع المياه، وهدرٌ في المخصّصات الدولية لدعم هذا القطاع.