- Home
- مقالات
- رأي
«قسد» ليست القوة المناسبة لتحرير دير الزور
ما إن يهزم تنظيم داعش في محافظة الرقة حتى تتجه الأنظار إلى دير الزور بوصفها، حينذاك، المعقل الأساسي الأخير للتنظيم في جزئه السوري على الأقل.
وقبل الهزيمة المرتقبة لداعش في الرقة خلال الأشهر القادمة لا يبدو أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية، قائدة التحالف الدولي ضد التنظيم، خطة أو مشروعاً ناضجاً حول دير الزور. لكن، ومهما كانت خارطة الصراع ومعطياته المستجدة في اليوم التالي لطرد داعش من عاصمتها السورية، لا بد أن تؤخذ جملة من الوقائع والعوامل المتشابكة في الحسبان. إذ ستشكل محافظة دير الزور قيمة رمزية وفعلية كبرى للتنظيم، بعدّها دليلاً على بقاء داعش كـ«دولة» رغم كل الانكسارات. كما ستكون المقصد الحصري لفلول داعش المهزومة على جبهات الحرب في سورية وربما في العراق، ما قد يرفع من القدرات القتالية لها إن استطاع قادتها العسكريون الإفادة من الوفر العددي الحاصل حينذاك، ومن الوفر الحاصل في الذخيرة والسلاح أيضاً، نتيجة تقلص عدد المعارك المندلعة على جبهات متباعدة. وما لم تحدث انهيارات كبرى في صفوف التنظيم على شكل انشقاقات أو تمرد أو استسلام جماعي، وهي أمور مستبعدة حتى الآن؛ ستكون لداعش فرصة للدفاع عن نفسها في دير الزور بشراسة أشد منها في مواجهات سابقة، ولكن من غير أن تقدر في النهاية على تغيير النتيجة المحسومة ضدها على أي حال.
بلا شك سيكون لماهية القوى التي تنتزع دير الزور من قبضة داعش تأثير بالغ الأهمية على مجريات المعركة وعلى الاستقرار المنشود بعدها. وحسب ما يتردد، من غير تأكيد، يبدو أن «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) هي المرشح الأوفر حظاً لتولي مهمة الوكيل الرئيسي وربما الحصري للأميركيين في حربهم ضد داعش في دير الزور، ما لم يتفعل دور الفصائل العسكرية العاملة على أطراف بادية الشام انطلاقاً من الحدود الأردنية. ورغم الإغراء الذي يمثله الاعتماد على «قوات سوريا الديمقراطية» بالنسبة إلى الأميركيين، بوصفها شريكاً مجرباً وفعالاً، لا يبدو هذا الاعتماد حكيماً ولا عادلاً ولا مستوعباً لمعطيات المشهد الآخذ في التعقيد يوماً بعد يوم. لأن هذا الاحتمال لا يحسب كفاية ولا يخطط لمرحلة ما بعد داعش، ولأنه يتجاهل -عن عمد- آلاف المقاتلين من أبناء دير الزور المتوزعين على فصائل شتى، ويمكن جمعهم في كيان عسكري واحد خلال وقت قصير إن ظهر مشروع يستوعبهم، دون أن يكون زائفاً أو متسرعاً مثل مشاريع سابقة. وفوق هذا يتجاهل اعتمادُ الأميركيين المفترض على قوات سوريا الديمقراطية، التي يشكل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (pyd) قوامها الرئيسي، المخاوفَ القومية لسكان محافظة دير الزور، وإن اصطف إلى جانب الحزب الكردي في هذه القوات عرب بالجملة كفصائل وهمية وشبه وهمية، أو بالمفرق كأفراد. ولن يغير من حقيقة قسد الانضمام السابق لعشرات من أبناء دير الزور إليها، أو من قد يضاف إليهم لزوم الشكليات قبيل المعركة كما جرت العادة. كما لن يغير علم الثورة الذي ترفعه بعض المجموعات العربية من الانطباع العام السائد بأن هذا الحزب ثم هذه القوات تابعة أو حليفة لنظام الأسد، وهو الشر المطلق والعدو بالنسبة إلى أهل دير الزور. سيؤدي تجاهل الإدارة الأميركية الجديدة الظالم للمعطيات السابقة إلى تبديد التطلعات المستقبلية المتفائلة للناس بمرحلة ما بعد داعش، وسيؤدي إلى تلاشي الحماس أو فتوره لمعركة تحرير دير الزور، كما سيعزز دعاية التنظيم بمظلمة قومية عربية إلى جانب المظلمة السنّية. وما لم يقدم الأميركيون على تغيير بنية «سوريا الديمقراطية» وعزل الحزب الفاشي الكردي عن قيادتها، ثم إقناع قوى الثورة العسكرية من دير الزور بالانضمام إليها، وهو احتمال خيالي تقريباً، فإن هذه القوات ستتحول -وبعد أشهر قليلة في دير الزور- من قوة «تحرير» إلى قوة احتلال، ولن يلطف الحضور العربي الهزيل فيها من وصفها هذا، ما سيولد أزمات جديدة تستثمرها داعش المتخفية آنذاك أيما استثمار.
لاعب آخر منفتح الشهية هذه الأيام نحو الشرق، هو نظام الأسد، في ظل الانسحابات المتتالية للتنظيم أمامه في فضاءات عسكرية مجاورة لدير الزور؛ في مدينة تدمر ومحيطها الواسع في البادية، وفي ريف حلب الشرقي المتصل بنهر الفرات الذي تريد قوات الأسد وحلفاؤها الروس والإيرانيون ضفته الجنوبية على طولها وصولاً إلى دير الزور، دون أن تنسى جيوب النظام المتبقية في المدينة وحولها.