- Home
- مقالات
- رادار المدينة
«النهار لقسد والليل لداعش» .. ازدواجية السيطرة على منطقة الجزيرة في ديرالزور
بالطبع لا يقف تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وراء جميع عمليات القتل والخطف والتفجيرات والسلب التي تعاني منها المنطقة التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" من ديرالزور، ودليل ذلك اعتقال خلايا تخريبية تابعة للنظام في المنطقة، إضافة إلى العمليات الانتقامية بين المكونات الاجتماعية، لكن تعاظم سطوة خلايا التنظيم التي يسري مفعول عملها بين الأهالي بسبب وحشية دعايته السابقة، وسهولة تحركاتهم وتبنيهم للكثير من تلك العمليات يوحي بسيطرتهم الفعلية على منطقة الجزيرة، وهو أمر واقع على المستوى النفسي الجماعي قبل أن يكون واقعاً على المستوى العملي.
رغم مرور أشهر من إعلان التحالف الدولي وقسد نهاية التنظيم في سوريا، وذلك بعد القضاء على تواجده في ريف ديرالزور الشرقي في الباغوز، ما تزال عمليات التنظيم العسكرية مستمرة حتى اليوم، مسببة خسائر مادية وبشرية قد تكون في بعض الأحيان أكبر من تلك التي كان التنظيم يسببها في معاركه المباشرة، ليتضح أن القضاء على التنظيم كان يعني القضاء على تواجده ضمن المدن، وحل الدولة التي أعلن قيامها البغدادي، لكنه لم يكن يعني القضاء على أفكاره المتطرفة التي انتشرت في المنطقة كما في أرجاء العالم، أو حتى القضاء على عناصر التنظيم الذين انتهى تواجدهم في مناطقهم التي كانوا يسيطرون عليها، لكن عملياتهم التخريبية ما تزال حاضرة.
ينتشر عناصر التنظيم في سوريا على عدة أشكال، فهناك الأسرى في سجون قسد، ويقدر عددهم بالمئات (إن لم يكن بالألوف)، ويحمل غالبيتهم الجنسيات الغربية، وترفض الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المقاتلون إعادتهم، وفي ظل غياب المحاكم في سوريا، باتت مسألة تحديد مصيرهم معضلة ربما تحتاج زمناً لحلها، دون أن يكون مضموناً إلى متى يمكن الاحتفاظ بهم في السجون قبل أن يشن التنظيم عملية عسكرية لاستعادتهم، كما حدث عدة مرات في العراق. كما تحتوي مخيمات الاحتجاز في الشرقية على العشرات من عوائل التنظيم وعناصره، الذين يتمتعون بحرية الحركة داخل المخيمات.
على أنه لا يقبع جميع عناصره المتواجدين في مناطق سيطرة قسد محتجزين في السجون أو المخيمات، فهناك مجموعات من مقاتلي التنظيم يتجمعون في جيوب على طول الحدود العراقية السورية والحدود الإدارية لمحافظة الحسكة، وخصوصاً قرب آبار النفط، حيث يتخذ العناصر منطلقاً لعملياتهم إلى جانب "الخلايا النائمة" المسؤولة عن تنفيذ هجمات بعبوات ناسفة وآليات مفخخة واغتيالات تطال المتعاملين مع قسد أو التحالف الدولي في المنطقة، والتي طالما سببت سقوط ضحايا في صفوف المدنيين.
وعن هذه الخلايا يقول أحد المدنيين في ريف ديرالزور الشرقي: "تقتسم خلايا داعش السيطرة على المنطقة مع قسد والتحالف الدولي، ففي النهار نجد دوريات عسكرية لقسد تجوب المنطقة وتسيطر عليها بشكل واضح، لكن مع غروب الشمس تبدأ خلايا التنظيم بالسيطرة على الوضع، فتنفذ حملات مداهمة واعتقالات وعمليات اغتيال وحتى إقامة الحواجز على الطرق، وينتهي هذا الوضع في الصباح لتعود قوات قسد إلى السيطرة مجدداً". تلك الحالة صارت تختزل الوضع الأمني بعبارة تتردد على ألسنة سكان المنطقة "النهار لقسد والليل لداعش".
لا يقتصر عمل التنظيم في المنطقة على "العمليات الأمنية"، بل يتعداها ليشيع العديد من قوانينه عبر أساليب عصية على الضبط والمراقبة مثل "التوبات"، التي تنتشر في الريف الشرقي من منطقة الجزيرة، كما يرصد متابعون للوضع الميداني، وتتم التوبات حسب أكثر من مصدر بتنبيه الشخص العامل في قوات قسد والأجسام المدنية التابعة لها، بغض النظر عن فاعلية الشخص أو الأجسام التي يعمل فيها، وقد تقدم عدد من الأشخاص الذين تلقوا التنبيه باستقالتهم أو انسحبوا بصمت من المشاركة في الحياة العامة، أو قدموا "التوبة" في الجوامع كما حدث مؤخراً في قرية أبو حردوب بعد انتشار قوائم أسماء في ملصقات طالبتهم بتقديم التوبة، على أن عناصر التنظيم تطلب في حالات من العاملين في قسد متابعة عملهم بشرط التعاون معهم بتقديم المعلومات.
إلى جانب التوبة، تنشط خلايا التنظيم في إقامة الحواجز على هامش البلدات والقرى في الريف الشرقي، الأسلوب الذي يتبعه عناصر في البادية السورية كذلك، حيث يصادف سائقو الشاحنات كثيراً من تلك الحواجز في أوقات مختلفة بهدف البحث عن عناصر يتبعون لقوات النظام، أو فرض الضرائب التي تتمثل أحياناً بمبالغ مالية أو مصادرة قسم من البضاعة المحملة، كما يقول أحد السائقين.
ربما تعود الحرية التي تتحرك فيها خلايا التنظيم إلى موقف أهالي المنطقة المسبق من قوات قسد، ما جعلهم يتعاملون بسلبية تجاه تحركها ضد فلول التنظيم، عدا عن انتماء عناصر من تلك الفلول إلى المنطقة ومعرفتهم الجيدة بها وتحركهم السهل فيها ليلاً، في الوقت الذي يدرس فيه عناصر قسد خطواتهم جيداً قبل أن يقدموا على أي أمر قد تكون له تبعات وخيمة، على أن ما يمكن ملاحظته في عمليات التنظيم الأخيرة استهداف العناصر العربية ضمن قسد وكأنه أولوية، أو أنها الأهداف الوحيدة المتاحة لهم، في جو تتحكم فيه الوشايات التي تحمل خلفية اجتماعية.