- Home
- مقالات
- رادار المدينة
«الزواج السري» في الشمال السوري بين التأييد والرفض
نتيجة لظروف الحرب القاسية التي عانى منها الشعب السوري خلال السنوات الماضية كان لا بد للعديد من الظواهر الاجتماعية أن تطفو على السطح وتتحول من المستهجن إلى الاعتيادي. ظاهرة الزواج السري هي إحدى الظواهر التي انتشرت مؤخراً في الشمال السوري، ولم تكن لتلقى قبولاً لدى الوسط الاجتماعي لولا رحى الحرب الدائرة التي دمرت الحجر والبشر.
من المتعارف عليه سابقاً هو الرفض شبه المطلق لهذا الأمر، لما فيه من انتقاص من كرامة المرأة وعائلتها. لكن الظروف الاقتصادية المتدهورة لمعظم الناس بالإضافة إلى التشرد والنقص الكبير في تعداد الرجال مقارنة بالنساء جعلت عدداً من العائلات لا تتوقف كثيراً عند هذا الأمر، وتقبل بعدم الإفصاح عن زواج ابنتهم أمام عائلة الزوج أو على الأقل زوجته الأولى، إذ يكون الزواج السري في كثير من الأحيان زواجا ثانيا.
الآثار السلبية لهذا الزواج ترويه لنا مريم (28 سنة من بلدة حاس) من خلال تجربتها الشخصية: "مات زوجي الأول منذ خمس سنوات. وتشردت مع عائلتي أنا وطفلتي لنكون عبئاً إضافياً عليها. وعندما تقدم لي رجل ميسور الحال كان يعمل في منطقتنا -وكنت أعلم أن له زوجة وأولادا في بلدته في ريف دمشق- اشترط على عائلتي عدم إبلاغ زوجته الأولى بأمر الزواج حتى يأذن هو بذلك تجنبا لمشاكل محتملة له مع عائلته".
أضافت مريم "وافقت وعائلتي على هذا الشرط طالما أنه مؤقت وتفادياً للمشاكل التي يمكن أن تقع كما قال. وتم الزواج بعد أن استأجر لي منزلاً بالقرب من عائلتي في ريف ادلب وأمضيت معه ثلاثة أشهر كان فيها حريصاً على عدم إنجاب أي طفل مني. لكنه اختفى فجأة، حاولت الاتصال به مراراً دون جدوى إلى أن اتصل بي هو وطلب مني أن أنسى رقمه لأن زوجته الأولى وأولاده استطاعوا الوصول إلى ريف حلب وهو يسكن معهم الآن وطلقني على الهاتف، وطلب مني العودة إلى بيت أهلي. لم أستطع الذهاب إليه والمطالبة بحقوقي لأنني لن أستطيع الحصول على شيء إلا الشنططة والتعب"
بالمقابل ينظر أبو إبراهيم من ريف حماة الشرقي، إلى زواجه السري -سابقاً- من زوجته الثانية بإيجابية، وعن ذلك يروي لعين المدينة: "تعرفت على جد زوجتي الثانية من خلال عملي، ولدى زيارة منزلهم علمت أن له حفيدة يتيمة مات زوجها ووالدها خلال الحرب وهي أم لثلاثة أطفال، فلم أتردد في طلب يدها منه واشترطت عليه عدم إبلاغ زوجتي الأولى بالأمر. فلم يمانع الجد وأبلغ حفيدته بالأمر فوافقت هي أيضاً وتم الزواج، وبعد سنة من الزواج أصبح لدي طفل منها وكان لا بد من إبلاغ زوجتي الأولى بذلك. لم تتقبل الأمر في البداية لكنها استوعبت ذلك لاحقاً، وها نحن نعيش بدون أي مشاكل، أرعى ثلاثة أيتام وأعاملهم كما أعامل أولادي."
وفي استطلاع لآراء بعض السوريين في الشمال على معرفة بآثار الزواج السري من خلال اطلاعهم على حالات قريبة منهم، تقول أمل (35 سنة من كفرنبل): "هذا الزواج لا يضمن حقوق الزوجة الثانية في هذه الظروف، إذ يمكن للرجل ببساطة أن يترك زوجته الثانية ويعود إلى بلده وهي لن تستطيع الذهاب إليه لتحصيل حقوقها منه".
كما يعتبر محمد الأبرش (53 سنة نازح من حمص) أن الزواج السري : "أكبر غلط لأن أي شيء يحدث بالسر فهو غلط، ويؤدي إلى تشتت الأولاد وتفكك الأسرة. أما الإيجابيات فهي للرجل فقط، لكن من الممكن أن يشعر بالراحة في الفترة الأولى وبعدها تبدأ المشاكل التي تنتهي بالطلاق."
أما أسماء (42 سنة من حاس) فتقول: "أنا مع هذا الزواج لأنه يخفف من ظاهرة العنوسة ويؤمن الأوضاع المادية لبعض النساء الأرامل، وربما يكون بمثابة كفالة يتيم إذا كان لديها أطفال. أما بالنسبة إلى السلبيات فسينعكس هذا الزواج مشاكل على الزوجة الأولى (في حال كان الزواج الثاني)، وستقع مشاكل عائلية لكنها لن تكون كبيرة ولفترة مؤقتة ويمكن حلها."
وعن رأي الدين فيه، يقول الشيخ محمد صالح المدرس في جامع حاس الشمالي: "إشهار النكاح عند الإمام مالك مستحب، كما هو الحال عند الجمهور. عليه الصلاة والسلام قال: أعلنوا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف. فلو لم يعلن لم يؤثر ذلك على صحة النكاح، ولا يأثم تاركه. ولا إشكال في أن يكون هذا الإشهار عند العقد، أو قبل الدخول، أو بعده. والممنوع عند المالكية هو التواطؤ على كتمانه، وهذا هو نكاح السر ولو شهد فيه جماعة مستكثرة"
ويقول القاضي د. محمد نور حميدي من سلقين: "من الناحية الشرعية صحيح أنه إذا تحققت شروط الزواج وإشهاره فهو أمر مستحب. لكن من الناحية القانونية يشترط موافقة الزوجة الأولى، وكان يستعاض عن هذا الأمر أحياناً بجلب شهود تؤكد قدرة الزوج على الإنفاق. وحتى هذا الأمر لا يطبق إذا حصل حمل حيث يحضر الزوج تقريراً طبياً بوجود الحمل أو في حال حدوث ولادة