- Home
- مقالات
- رادار المدينة
«أشبال الخلافة» في ديرالزور: معضلة إرث داعش المزمنة
قبل سقوط آخر مناطقه بكثير، عبّر "تنظيم الدولة (داعش)" في أكثر من إصدار عن أمله في الأطفال الذين يلقنهم أفكاره في دورات خاصة ومعسكرات تدريبية مغلقة، الأمر الذي يجد ترجمته اليوم على أرض الواقع في مناطق ديرالزور الخاضعة لسلطة "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)"، كما حدث في حادثة التفجير الذي وقع منذ أيام في قرية الطيانة، دون أفق لمعالجة ملف أطفال "أشبال الخلافة" المنتشرين في المنطقة الشرقية من سوريا أو حتى في شمالها الغربي.
تداولت صفحات محلية بتاريخ 12 تموز الجاري خبر انفجار سيارة مفخخة بأحد مقرات قوات قسد في قرية الطيانة شرقي ديرالزور، ورجح مطلعون على تفاصيل الحادثة أن السيارة كانت قد رُكنتْ في وقت سابق وتم تفجيرها بدون انتحاري، ولكن تنظيم الدولة تبنى التفجير بعد أيام (يذكر التنظيم في خبره بلدة ذيبان)، ونشر صورة طفل ملثم أسماه أبو قاسم التميمي قد يكون مقتولا في مكان آخر، والذي تعرف أحد جيرانه على صورته بعد تداولها. يقول جار التميمي أن التنظيم استقطب الطفل من خلال "المعهد الشرعي ودورة تدريبية"، وأشاد بدراسة الطفل وأدبه قبل سيطرة التنظيم على مدينته الميادين.
التميمي (نتحفظ على اسمه الحقيقي حرصاً على سلامة عائلته) عند سيطرة التنظيم على مدينة الميادين كان عمره 12، بعد فترة دخل في دورات "أشبال الخلافة"، وظل في صفوفها حتى موعد الحملة الروسية على دير الزور، حيث فر الطفل مع ذويه باتجاه المناطق المحررة في الشمال السوري، ليجد نفسه مطلوباً بتهمة الانتماء إلى التنظيم، فاستطاع ذووه حمايته مؤقتاً عبر دفع مبالغ مالية لبعض الفصائل بهدف كف الملاحقة، لكنه وجد نفسه محاصراً مع زيادة عمليات المداهمة والبحث عنه، فلم يجد حلاً إلا الفرار إلى الريف الغربي لمدينة دير الزور، ليختفي فترة عن الأنظار ويظهر مجدداً في إعلان التنظيم عند تبنيه التفجير الانتحاري.
منذ بداية تساقط المناطق التي كان يسيطر عليها واحدة بعد الأخرى، بدأت بالظهور في أراضي مناوئي التنظيم طريقتان هزيلتان في التعامل مع ملف هؤلاء الأطفال، الأولى أقرب إلى الدعائية منها إلى التعامل الجدي مع "أشبال الخلافة"، يحرص متبنوها على الكلام عن إعادة تأهيل الأطفال عبر عملية "غسيل أدمغة" مضادة لعدد متواضع من الأطفال وتسويق ذلك إعلامياً، وهو ما ظهر في أكثر من "مركز" و"دورة" لمكافحة فكر التنظيم، أما الطريقة الثانية فملاحقة الأطفال أمنياً.. هذا ما ينتظر الأطفال دون النظر في ظروفهم الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية وظروف ذويهم.
إذن التميمي ليس الحالة الأولى ولن يكون الأخيرة، فمعظم أهالي من يسمون بـ "أشبال الخلافة" يخافون اليوم على أبنائهم من مصير يشبه مصيره، أو في أحسن الأحوال اعتقال على أيدي أحد الفصائل في حلب أو إدلب قد لا يعرفون بعده الأهل عن طفلهم شيئاً، ثم أنهم يخافون من الأطفال ذاتهم، ودون أن يتمكنوا من التوصل إلى الطريقة الصحيحة التي يجب عليهم معاملة أطفالهم بها.
يقول والد أحد الأطفال/ "الأشبال" من ريف ديرالزور الشرقي ويقيم فيه، أن عائلته مازالت تحتاط من ردود أفعال ابنه الذي -للغرابة- لم يتجاوز 14 عاماً، والذي خضع سابقاً لدورات في المعاهد الشرعية للتنظيم، ويتصرف اليوم مع عائلته ومحيطه الاجتماعي على أساس الأفكار التي تلقاها في تلك الدورات، حتى يصل به الأمر إلى منعهم من تلقي المساعدات أو السلال الغذائية بحجة أن مصدرها "بلاد الكفر والنصيرية".
يزيد الوضع سوءاً أن بعض هؤلاء الأطفال قد بلغ اليوم 18 من عمره أو تجاوزها، ما يعطي سبباً إضافياً و"مقنعاً" لفصائل كثر لمطاردتهم. يروي أحد أبناء ديرالزور المقيمين في الشمال السوري كيف أن عائلته ضاقت ذرعاً في البحث عن حل لمشكلة أخيه الذي يبلغ اليوم 18 عاماً، وكان في سنة ال15 عاماً قد انضم إلى التنظيم، فهو لا يستطيع العودة إلى حياته الطبيعية من جهة، لعدم استطاعته كف الفصائل عن ملاحقته، ورفضهم قبول "التوبة" منه، ومن جهة ثانية لم يستطع مغادرة سوريا إلى أي من دول الجوار لصعوبة ذلك وخوفاً من أن يتوسع نطاق الملاحقة.