- Home
- مقالات
- رادار المدينة
(هم يختلفون ونحن تضيع حياتنا وأحلامنا) .. طلاب مناطق درع الفرات وعفرين يتأرجحون بين الوزارة والمجالس
ترفض وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة الاعتراف بشهادة التعليم الثانوي الصادرة عن المجالس المحلية في المناطق الشمالية والشرقية من مدينة حلب، وتحرم حامليها من التقدم إلى المفاضلة في الجامعات التابعة لها، بينما ترى المجالس أن وزارة التربية هي "الخاسر" بعدم اعترافها بشهادة الطلاب الذين حصلوا على الشهادة الثانوية في مناطقها (درع الفرات وعفرين)، وتفسح المجال للطلاب الحاصلين على الثانوية العامة في المراكز التابعة للوزارة التقدم إلى مفاضلة الجامعات والمعاهد التابعة لها. وبين المجالس المحلية ووزارة التربية يواجه مئات الطلبة مصيراً مجهولاً وسط تبادل للاتهامات وغياب للمسؤولية.
حلم أحمد الإبراهيم بالدخول إلى كلية الطب تلاشى، بعد رفض الوزارة طلبه بالتقدم إلى المفاضلة، "حصلت على 233 درجة في الشهادة الثانوية، ولا يوجد في جامعة حران أو باشاك شهير التابعتين لمناطق درع الفرات كلية للطب، لم يخبرنا أحد بأنه لا يحقّ لنا التقدم إلى مفاضلة جامعة حلب الحرة"، ويتساءل أحمد عن سبب غياب التنسيق بين الهيئتين التعليميتين "ألسنا في المناطق المحررة، أم لكل منطقة دولة ووزارة وجامعات؟".
أما الطالب عبد الكريم بدرخان (من مهجري دوما) فقد اكتفى بالاستغراب، هو لا يعرف سبب الخلاف، ولكنه قرر التسجيل في جامعة حران، ودخول الفرع الذي ستؤهله درجاته للحصول عليه، والدخول إلى الأراضي التركية، ومن هناك بإمكانه المحاولة لدراسة الفرع الذي يريد، على حد قوله. في الوقت الذي يُحمّل فيه أحمد زاهر (من مهجري مدينة حلب) المسؤولية للقائمين على العملية التعليمية في ضيق الخيارات أمام الطلبة بإلزامهم بـ "جامعات مستحدثة" بفروع دراسية محدودة.
حال أحمد وزاهر وعبد الكريم لا يختلف عن حال مئات الطلبة الذين ينتظرون بقلق ما ستؤول إليه الخلافات بين الوزارة والمجالس المحلية، وما ستسفر عنه من حلول، وللوقوف على تفاصيل المشكلة وحلولها أجرينا هذا التحقيق.
اتهامات متبادلة
أوضح الدكتور عماد برق، وزير التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، أن المجالس المحلية قامت بإجراء امتحانات الشهادتين الثانوية والأساسية في المناطق التابعة لها بشكل شخصي، دون الرجوع للوزارة، بالرغم من المبادرة التي قام بها شخصياً لثنيهم عن هذا القرار، والتوضيح لهم أن هذا الأمر من اختصاص وزارة التعليم ولا يتبع لصلاحيات المجالس المحلية، لكن هذه المجالس على حد قوله، ردوا على مبادرته بالحرف الواحد، بأنهم "يتبعون للحكومة التركية ولا يتبعون للحكومة المؤقتة". ورفضوا استقبال مدير تربية حلب التابع للوزارة، وقاموا بتغيير موعد امتحاناتهم لتتطابق مع البرنامج الامتحاني الذي حددته الوزارة، لمنع الطلبة من الاستفادة بتقديم الامتحان مرتين، امتحان الوزارة والمجالس المحلية، والحصول على فرصة تتيح لهم التقدم إلى الجامعات.
وكانت وزارة التربية قد أصدرت تعميماً في نيسان 2018 لمن يودّ التقدم لامتحانات الشهادة الثانوية التابعة لوزارة التعليم، وحددت المراكز التي سيتم فيها التسجيل، إلّا أن الطلاب فضّلوا تقديم الامتحانات في المراكز التابعة للمجالس المحلية. ويعزو عبد اللطيف سلامة، رئيس دائرة الامتحانات في مديرية التربية التابعة للحكومة المؤقتة، السبب، "لأن هناك تخفيضات وتنزيلات وتساهلات كبيرة، وحذف لفصول كاملة من المناهج في المقررات التي اعتمدتها المجالس المحلية"، وعدّ سلامة القبول بهذه الشهادات "ظلماً للطلاب الذين خضعوا لامتحانات بمقررات كاملة"، متسائلاً عن أحقية هذه المجالس في إجراء الامتحانات، وهي جهات غير مخولة، ولم تلتزم بالتعليمات الامتحانية؟ وكيف سيتم إعطاؤهم وثيقة من وزارة التربية، "دون أن تشرف الوزارة على الامتحانات، أو تضع الأسئلة، أو تشارك في التصحيح"، واصفاً الأمر بـ "المرفوض"، وإلّا ستضطر الوزارة بقبول نتائج امتحانات تجريها أي جهة أو جمعية أو منظمة أو مجلس محلي!
كما اعتبر فيصل درويش، مدير تربية حلب التابعة للوزارة، أن امتحانات الشهادة الثانوية يجب أن تكون تحت إشراف ومناهج وأسئلة موحدة، وهذا الأمر يختلف عما تقدم به الطلاب في مناطق درع الفرات وعفرين.
المشكلة الأساسية، من وجهة نظر وزير التعليم، تكمن في صدور هذه الشهادات عن المجالس المحلية، وحذفهم لبعض فصول المقررات، وهو ما سيؤدي إلى التشكيك بشهاداتهم في مختلف الجامعات، سواء الداخلية أو الخارجية، فالشهادة الثانوية العامة يجب أن تصدر وتوقع من وزارة التربية حتى يتم قبولها ومعادلتها، فإن تم قبولها في الوزارة سيضيع جهد الطلبة ولن يعترف بشهادتهم الجامعية التي لن تغني عن إبراز الشهادة الثانوية، أثناء العمل أو إكمال الدراسة.
ردود واتهامات من المجالس المحلية
في الجهة المقابلة يقول فوزي السايح، مدير المكتب التعليمي في المجلس المحلي لمدينة الباب، إن جميع المجالس المحلية في مناطق درع الفرات وعفرين قد التزمت بالمعايير الامتحانية، فقد اعتمدت أسئلة موحدة، وأجرت الامتحانات بشروط معيارية، ابتداء من وضع الأسئلة إلى طباعتها إلى توزيعها على المراكز وتوزيع اللجان الامتحانية لتسيير أمور الامتحانات بالتعاون مع الشرطة الحرة، وصولاً إلى عملية التصحيح التي تمت داخل الأراضي التركية بـ "مستوى معياري ممتاز".
ورأى السايح أن من حق المجالس المحلية التعاون مع من يخدم العملية التعليمية، وتأمين البنية التحتية في كل منطقة، وهذا ما كان، فالحكومة التركية رممت أكثر من 13 مدرسة في مدينة الباب، و25 مدرسة في ريفها، ووضعت خطة لإنشاء ست مدارس جديدة هذا العام. في الوقت الذي منع ضعف الموارد المالية الحكومة المؤقتة من تغطية جزء من هذه المشاريع، واصفاً ما قامت به المجالس بـ "خطوة في الاتجاه الصحيح". ولم تقطع مكاتب التربية في المجالس المحلية علاقتها بوزارة التعليم، رغم ذلك، واستقبلت مندوبيها بزيارات متعددة، إذ ترى المجالس أن التعاون مع الحكومة المؤقتة ضرورة لبناء سوريا الواحدة.
وتسعى المجالس المحلية، من خلال الخطوة التي اتخذتها، إلى تأمين دراسة جامعية للطلاب في جامعات معترف بها دولياً، فـالشهادة الثانوية التي صدرت عن هذه المجالس حظيت باعتراف تركي أهّل الحاصلين عليها للتقدم إلى مفاضلة جامعة حران التركية في تركيا، إضافة إلى فرعها في مدينة الباب، بينما يعدّ الدخول إلى الجامعات في الداخل السوري، غير المعترف بها دولياً، أقصى ما تستطيع أن تقدمه وزارة التربية!
واعتبر السايح عدم اعتراف الوزارة بالشهادات الصادرة عن المجالس المحلية "شرف لهم"، بعد أن اتهمهم بالاعتراف بالشهادات الصادرة عن وزارة التربية في نظام الأسد، الذي "قتل وشرد الملايين"، فكان ردّ الوزارة عليه بقبول مؤيديه في جامعاتهم ورفض طلابنا!
ولم تعامل الجامعات التابعة للمجالس المحلية الحاصلين على شهادة الثانوية من وزارة التعليم بالمثل، بل أفسحوا المجال أمامهم للتقدم إلى المفاضلة، وبلغ عدد المتقدمين إلى المفاضلة الأولى 25% من عدد المتقدمين الكلي، بحسب كوثر قماش نائبة مدير المكتب التعليمي في مدينة الباب، التي أوضحت أن هناك خطة لاستيعاب جميع الطلاب في الجامعات والمعاهد التابعة للمجالس المحلية، وسيتمّ افتتاح معاهد جديدة بنظام السنتين تابعة لهذه الجامعات لتحقيق خطة الاستيعاب الجامعي لجميع الناجحين في الثانوية العامة.
تعقيب لوزير التربية
لم تقبل وزارة التربية الشهادات الصادرة من مناطق نظام الأسد لعام 2018، واقتصر قبولها على الشهادات التي صدرت حتى عام 2017، وذلك لوجود مناطق سورية كانت محاصرة من قبل قوات الأسد، أو تسيطر عليها قوات الأسد جزئياً، ولم تكن الحكومة السورية المؤقتة تستطيع إقامة مراكز امتحانية في هذه المناطق، بحسب الدكتور برق، الذي طالب المجالس المحلية "التي تسيطر مع الفصائل المسلحة على الموارد المالية والمعابر"، بحسب قوله، بدعم الجامعات بدلاً من انتقاد الوزارة!
حلول غير مرضية
أصدرت وزارة التربية بياناً بتاريخ 14/8/2018 تضمن السماح للطلاب الذين تقدموا للامتحانات في الشهادة الثانوية عبر المجالس المحلية بالتقدم للمفاضلة في جامعاتها، شريطة الخضوع لامتحان معياري بكامل المواد المقررة، سيتم الإعلان عن شروطه وطريقة التقدم له وموعده ومراكزه من قبل وزارة التربية والتعليم في وقت لاحق، وذلك حرصاً من الوزارة على مستقبل الطلاب وعدم إضاعة فرصتهم في الدخول إلى الجامعات.
إلّا أن هذا الحلّ لم يلاقِ قبولاً عند الطلاب، الذين رأوا فيه قراراً مجحفاً، وكان على الوزارة، بحسب رأيهم، أن توضح منذ البداية أنه لن يتم الاعتراف بشهاداتهم، لا أن تنتظر حتى صدور النتائج.
ويرى الطالب أحمد إبراهيم أن الخضوع لامتحان جديد "يقلل من فرص الحصول على درجات عالية، خاصة أنهم لن يخضعوا لدورة تكميلية كأقرانهم من طلاب وزارة التربية، إضافة إلى الضغط النفسي والتعب الذي أجهدهم خلال السنة الدراسية"، ليكتفي بالقول "الطالب على طول مدعوس تحت الرجلين، هني بيختلفوا ونحنا بتضيع حياتنا وأحلامنا".