- Home
- مقالات
- رادار المدينة
(سانا) النظام تعيد في تقرير لها نصف مليون نازح إلى دير الزور
بمناسبة مرور عام كامل على سيطرة النظام على مدينة دير الزور، نشرت وكالة أنباء (سانا) تقريراً زعمت فيه أن عدد النازحين العائدين إلى بيوتهم في محافظة دير الزور منذ بداية العام الجاري قد بلغ (503571) شخصاً!، وأن عدد السكان المقيمين فيها اليوم قد وصل إلى (1034287) نسمة!، ومن دون أن تذكر مصدر هذه الأرقام، أو تدقق حتى في الأرقام الأخرى التي ذكرتها في التقرير وتكذب نتائجها بعملية جمع بسيطة.
فقالت سانا: إن عدد سكان مدينة دير الزور قد كان (70) ألف نسمة حين تمكن جيش النظام من فك الحصار الذي فرضته عليها داعش لمدة ثلاث سنوات، لكنه ارتفع إلى (190) ألف نسمة اليوم، بعودة (4646) شخص ضمن نصف المليون عائد؛ و بالطريقة ذاتها عاد إلى الريف الشمالي (721) شخص ليبلغ عدد سكانه اليوم (69052) نسمة! وكذلك تتضاعف أعداد السكان لوحدها في الريف الشرقي والغربي لدير الزور.
في كل الأرقام التي ساقتها سانا رقم منطقي واحد، هو (70) ألفاً الذي مثّل عدد سكان أحياء الجورة والقصور وهرابش، التي لم تخرج عن سيطرة النظام خلال السنوات السابقة، وأما عشرات القرى والبلدات والمدن في الريفين الشرقي والغربي فلقد خلت من أهلها خلال حملة النظام والميليشيات، عبر واحدة من موجات النزوح السورية الكبرى هرباً من الموت تحت قصف النظام وحلفائه، وفراراً من العيش مجدداً تحت سلطته. ولم تسجل خلال العام الأخير أي ظواهر عودة جماعية لهؤلاء النازحين، الذين يتوزعون اليوم بين مناطق سيطرة "قسد" في دير الزور، ومناطق سيطرة المعارضة في محافظتي حلب وإدلب، إضافة إلى أقلية منهم تمكنت من عبور الحدود إلى الأراضي التركية.
وأما من عاد بالفعل إلى دير الزور، فهم النازحون أصلاً منها إلى مناطق سيطرة النظام، خاصة في مدينة دمشق وفي حمص وحماة وطرطوس واللاذقية بدرجة أقل. ويشكل الموظفون غالبية هؤلاء، وعادوا نتيجة تهديدهم بالفصل من وظائفهم بقرارات أصدرتها وزارات النظام. وحسب إحصائيات لجمعية خيرية تعمل في مدينة دير الزور، وحصلت عليها عين المدينة، بلغ مجموع الأسر العائدة إلى المدينة (21) ألف أسرة، أغلبها لموظفين انصاعوا لقرارات وزاراتهم خوفاً من الطرد من الوظيفة.
في تقرير سانا ذاته أدلى مسؤولون محليون تنفيذيون للنظام في دير الزور بتصريحات تتجاهل الوقائع الكارثية على الأرض، فرئيس البلدية الذي "أكد إزالة 137 ألف متر مكعب من الأنقاض"، تجاهل ملايين الأمتار المكعبة الأخرى من الحطام البيتوني، الذي يشكل المشهد البصري الرئيسي في أحياء الجبيلة والموظفين والعمال والحميدية والشيخ ياسين والعرضي وخسارات والمطار القديم والصناعة والحويقة والرشدية، التي تشكل أكثر من ثلاثة أرباع عمران المدينة. ولم يجب على سؤال بديهي عن إعادة إعمار المنازل المدمرة في هذه الأحياء.
وبالمثل كانت مزاعم مدراء الكهرباء والمياه والصحة والتربية، فما زالت الأحياء المدمرة بلا كهرباء، ولم تبدأ أي ورشة أعمال صيانة وإصلاح لشبكة التيار الكهربائي، ولا يملك النظام بالأصل -ورغم تشغيله محطة توليد في حقل التيم النفطي- التغذية الكافية لهذه الأحياء. والحال كذلك في قطاع مياه الشرب، حيث تعرضت شبكة الأنابيب الرئيسية والثانوية لأضرار هائلة نتيجة عمليات القصف المتواصلة خلال خمس سنوات تقريباً أخرجت معظم الخطوط عن الخدمة، ما سيجعل إعادة تأهيل الشبكة تتطلب وقتاً وميزانيات كبيرة بملايين الدولارات، لا يملك النظام فائضاً لتغطيتها. ولم تباشر مديرية التربية ولا الصحة بأي أعمال اصلاح أو إعادة تأهيل للمنشآت والمرافق التابعة لها، من مدارس ومراكز صحية في هذه الأحياء.
خلال عام كامل من بسط النظام وحلفائه سيطرتهم على الضفة اليمنى لنهر الفرات، وعلى الجزء المقابل لمدينة دير الزور في الضفة اليسرى، فشل النظام بخلق رأي عام يتقبل فكرة العودة في أوساط النازحين، ولم تخفف الرسائل التي حملها وسطاؤه إلى أفراد وجماعات من النازحين من حدة رفضهم للعودة، وجاء فشل النظام في حقول الخدمات والصحة والتعليم والزراعة، وفي التصدي لحالة الانفلات الأمني في مناطق سيطرته فضلاً عن اتساع النفوذ الايراني بما يمثله من تهديد ديني وثقافي، ليساهم في ترسيخ هذا الرفض.