- Home
- مقالات
- رادار المدينة
(اللانش بوكس) في إدلب.. انقسام آخر مكتوم يطاول طلاب المدارس
انتشر اللانش بوكس (علبة الطعام) المخصص لطلاب المدارس مؤخراً في محافظة إدلب، وذلك بعد أن أصبح (ترند) على وسائل التواصل الاجتماعي مع انطلاق العام الدراسي الجديد، وجلب معه الكثير من النقاش والآراء والحرج وأيضاً الانقسام.
رغم أن محافظة إدلب تعتبر بقعة جغرافية مغلقة باستثناء معبر باتجاه ريف حلب الشمالي، ومنفذ واحد للعالم الخارجي عبر معبر باب الهوى مع تركيا، إلا أن الحركة التجارية التي تشهدها المنطقة توصف بالجيدة لا سيما مع تدفق البضائع المنوعة إلى أسواقها ومواكبتها لآخر المنتجات الغذائية والصناعية المتطورة، والتي تغزو إعلاناتها مواقع التواصل.
تلقى هذه البضائع التي يشكل اللانش بوكس أحدها، إقبالاً ضعيفاً مع ارتفاع أسعارها وتراجع القدرة الشرائية لمعظم سكان المحافظة، إلا أنه لطالما استمر تدفق البضائع إلى المنطقة فثمة فئة قادرة على شرائها.
أحدث اللانش بوكش انقسامات في إدلب على أكثر من مستوى، أولها حول التسمية. نشر مهند من سكان مدينة إدلب (34 عاماً) عبر صفحته في "فيسبوك" بلغة معتذرة تظهر حالة التهكم، "آسف... قلت لبنتي جبتلك صندوق طعام، وما قلت لانش بوكس، يا ترى لسا بتقبلوني بينكم!".
بينما يقول فؤاد (27 عاماً) إن صندوق الطعام هي الترجمة لتسمية اللانش بوكس والذي هو اختراع أجنبي، لذلك يجب أن نسمي الأسماء بمسمياتها، وليس هناك ضرورة لتعريب كل الأسماء، لا سيما أنها ليست من اختراعنا. ويضيف: "على هيك حالة بدنا نغير تسمية اللابتوب، والتلفون، وغيرو وغيرو".
لم يكن اختلاف الآراء حول تسمية اللانش بوكس نابعاً عن خلاف لغوي فحسب، إنما يعبر عن حالة انقسام أحدثه بين فئات المجتمع، أو ربما جاء الانقسام حولها كمظهر لانقسامات موجودة مسبقاً، وبدأت معالمها بالظهور عبر مواقع التواصل، وانتقلت بعدها إلى المدارس على شكل مناقشات بين المدرسين وبين الأهالي أيضاً.
اعتبر البعض أن اللانش بوكس "سمة للترف ومظاهر البذخ"، في وقت يعجز فيه الكثير من العوائل عن تأمين أبسط المتطلبات المعيشية لأولادهم. بينما ذهبت آراء لتشبيهه بالسفرطاس (وهو عبارة عن عدة أوعية المحكمة فوق بعضها البعض، كان الأهالي قديماً يستخدمونها لأخذ الطعام إلى العمل)، أو بكيس سندويشة الزعتر التي اعتاد الأهالي على إرساله مع أطفالهم إلى المدرسة.
وكان لربات البيوت في إدلب رأي مختلف. فقد قررت السيدة هبة (22 عاماً) أن تشتري لانش بوكس لطفلتها بالصف الأول، معتبرةً أنه سيوفر عليها الكثير وسيضمن طعام جيداً لابنتها. تقول: "في اللانش بوكس المقسم لأكثر من قسم، أضع لابنتي قطعة خيارة أو تفاحة، أي شيء متوفر لدي، وسندويشة زعتر أو دبس بندورة، أو بقايا طبيخ من رز أو برغل أو معكرونة".
وتوضح "بذلك أضمن لابنتي أنها أكلت خلال الساعات التي قضتها بالمدرسة، كما أنني غير مضطرة لإعطائها مصروف لا يقل عن 5 ليرات تركية يومياً لتشتري فيها شيبس أو كولا".
فكرة اللانش بوكس كما أرادها مصمموها تهدف إلى مراقبة غذاء الطفل عبر منحه أصناف عدة من الأطعمة المنوعة بين خضار وفواكه وبيض وغيرها، لتضمن حصوله على القيمة الغذائية اللازمة لنموه.
وهو ما يبدو أشبه بالمستحيل تطبيقه في منطقة يعيش فيها أكثر الأهالي تحت خط الفقر بنسبة تصل إلى أكثر من 90 بالمئة من إجمالي عدد سكان، وفق تقديرات مسؤولين أمميين، فهم غير قادرين على تأمين أبسط ما يحتاجه الطفل من الغذاء الأساسي كالخبز واللحم والحليب في وجباتهم اليومية، التي تقتصر على وجبة واحدة في كثير من الأحيان.
كما تشتكي سيدات من ارتفاع ثمن صندوق اللانش بوكس، لا سيما أنه سيشكل عبئاً إضافياً في حال كانت الأسرة تمتلك أكثر من طفل، إذ يتراوح سعره بين 20 و40 ليرة تركية، وهو ما يعادل أكثر من نصف أجرة عامل في إدلب. رأت أماني (23 عاماً) أن تحول علبة حلاوة فارغة إلى صندوق للطعام بعد أن زينتها ببعض الرسومات لإسعاد طفلها الذي شاهد عدداً من أصدقائه بالمدرسة يجلبون معهم اللانش بوكس.
بينما تتوجه أمينة وهي مديرة إحدى المدارس في مدينة إدلب، برسائل للأهالي عبر مجموعة "واتساب" مخصصة للتواصل معهم، بعدم الإسراف في إرسال أطعمة منوعة لأطفالهم بالمدرسة. تقول لعين المدينة "هناك عشرات الأطفال لا يجلبون الطعام (معهم)، أو يكتفون بسندويشة الزعتر أو بضع الليرات لشراء قطع البسكويت، وذلك بسبب ضيق أحوال أسرهم".
وتوضح المديرة أنها تلاحظ آثار الحزن والحرمان على عيون الأطفال الأكثر فقراً من غيرهم، وتلجأ أحياناً لتطيب خواطرهم بتوزيع المأكولات عليهم، أو منع أصدقائهم من إخراج أطعمتهم داخل المدرسة.
ويبقى أن النقاش الذي دار حول اللانش بوكس في المدرسة أو بين الأهالي، وبعض التصرفات التي نتجت عنه كمنع الأطفال من جلبه مراعاة لشعور الأولاد الآخرين، أثر سلباً على معظمهم حيث عززت شعور الحرمان وزادت من حالة الانقسام على أساس الدخل الذي تعانيه إدلب مع توزع السكان على فئتين، أحدهما صغيرة ميسورة الحال بينما الأخرى تحت خط الفقر وتشكل السواد الأعظم لسكان المحافظة.