هل يحافظ حميدي الدهام على حياده وعلى قواته «الصناديد»

في يوم (4) من شهر تشرين الثاني الجاري، قتل ثلاثة من عناصر ميليشيا "الصناديد" التي يتزعمها شيخ قبيلة شمر حميدي دهام الهادي، في هجوم نفذه مجهولون على نقطة تفتيش للميليشيا في قرية النعيمية شمال شرق مدينة الحسكة.

تضاربت التكهنات عن الطرف المسؤول عن هذا الهجوم الذي نفذ بأسلحة كاتمة للصوت، بين من يتهم "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" أو "وحدات حماية الشعب" ذات الأغلبية الكردية (YPG)، والتي حاولت قبل أيام من الهجوم انتزاع موقع لصوامع الحبوب من سيطرة "الصناديد"، ومن يتهم تنظيم داعش الذي تراجع نشاطه إلى حد كبير ومنذ أكثر من عام في هذه المنطقة.

 قد يكون الهجوم حادثة معزولة عن سياق مستجد أوسع، نشأ إثر إعلان الرئيس الأمريكي سحب قواته والعملية العسكرية التركية شرق الفرات، وما أعقب ذلك من اتفاق عقدته قسد مع النظام، يقضي بانتشار قواته على الحدود مع تركيا شرق الفرات، لكن هذه الحادثة أعادت ميليشيا الصناديد المسترخية مرة أخرى إلى مسرح الأحداث، وفي ظل التغيرات المحتملة القادمة، يبدو أن ميليشيا الصناديد ستكون مطالبة باتخاذ مواقف أشد وضوحاً تجاه حليفتها قسد ومن ورائها الأمريكيين، وتجاه النظام ومن ورائه الروس الذين وسعوا نفوذهم إلى حد كبير مستغلين حاجة الأطراف المختلفة لأدوارهم السياسية والعسكرية في المنطقة.

النشأة

في نهاية العام 2013، شكل ما يقارب (50) شاباً من أقارب الشيخ حميدي مجموعة مسلحة أطلقوا عليها في البداية اسم "جيش الكرامة"، ولم تنخرط هذه المجموعة في الصراع المتعدد والمتداخل آنذاك، بين (YPG) وداعش وجبهة النصرة وبقايا فصائل الجيش الحر في محافظة الحسكة، حيث اقتصرت وظيفتها على حماية الشيخ وحراسة قصره في معقله قرية تل علو. وجاء الموقف الحيادي لهذه المجموعة انعكاساً لموقف زعيمها الذي ينأى بنفسه وبأبناء قبيلته -إن استطاع- عن الصراعات الكبيرة، حفاظاً على مصالح القبيلة وتجنيبها التورط في هذه الحرب.

وبالرغم من العلاقة التي لا تزال تجمعه بنظام الأسد وحلفائه، إلا أنه نجح في الوقت نفسه في بناء علاقات وثيقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) الذي أخذ يهيمن عبر الأجسام والتشكلات المختلفة التابعة له على محافظة الحسكة، بدعم أمريكي في مواجهة تنظيم داعش منذ نهاية العام 2014. وفي العام اللاحق تغير اسم "جيش الكرامة" الذي يقوده بندر بن حميدي دهام الهادي إلى "قوات الصناديد"، وتزايد عدد الأشخاص المنتسبين –الاسميين- إلى صفوف هذه القوات، ليبلغ حسب التقديرات (3000) عنصراً معظمهم من أبناء شمر، ومعهم أعداد أقل من قبائل عربية أخرى.

الأعداد والهيكلية

حسب أشخاص مقربين من قوات الصناديد، تنقسم هذه القوات إلى خمسة فصائل، يحمل كل فصيل اسم الشخص الذي يقوده ويشرف عليه. فهناك فصيل يشرف على حراسة قصر الشيخ الحميدي في قرية تل علو بقيادة ابن الشيخ المدعو الياور، ويعتبر أيضاً القائد التنفيذي لكل الفصائل. وحسب تقديرات مصدر مقرب من الصناديد لعين المدينة، يبلغ عدد العناصر في هذا الفصيل (600) عنصراً تقريباً.

ويسمى الفصيل الثاني "فصيل الذيب"، ويقدر عدد أفراده بنحو (400) عنصر، ومن أبرز ما قام به مشاركته في معركة الهول ضد داعش. أما الفصيل الثالث "فصيل أبو دهام" وهو من أقارب الشيخ، فيقدر عدد أفراده ب(250) عنصراً في حين أن عدد عناصر الفصيل الرابع "فصيل العمدة" يقدر بـ (500) عنصراً، ويحمل الفصيل الخامس اسم "فصيل حماد مناع" ولا يعرف بالضبط عدد أفراده.

شارك "فصيل الذيب" في المعارك ضد داعش إلى جانب قسد، لكنه اتهم بارتكاب تجاوزات كبيرة وأعمال نهب وسرقة للمنازل اضطرت الشيخ الحميدي إلى التدخل وتسليم قيادة الفصيل إلى ابنه الياور الذي أطلق عليه اسم فصيل الفزعة ووصل بأعداد عناصره نحو (1000) عنصر أغلبهم لا يتقاضون راتباً، "وربما كان هذا سبب التسمية بالفزعة" كما ينقل المصدر لعين المدينة.

اقتصر تسليح "قوات الصناديد" في البداية على السلاح الشخصي الخفيف، وكان الشيخ حميدي يدعو أتباعه المباشرين إلى حمل أسلحتهم الشخصية، لأن قتالهم كعشائر حسب قوله، "لا يحتاج إلى ممول أو سلاح ثقيل لأن الشيمة هي سلاحنا النوعي والثقيل الذي لا يمتلكه غيرنا". وتغير هذا الوضع بشكل كامل عندما عقد الشيخ اتفاقاً مع (YPG) التي سيطرت على محافظة الحسكة بشكل شبه كامل، عين بموجبه في منصب فخري تقريباً، حاكماً مشتركاً على مقاطعة الجزيرة، وحصل على دعم مالي كبير وامتيازات كثيرة.

وتضمن الاتفاق عدم التعرض لعناصر الصناديد وإعفائهم من الخدمة الإلزامية ضمن صفوف قسد، لكن سكاناً من المنطقة يؤكدون أن الإعفاء شمل عملياً ابناء المناطق التي ينتشر فيها التشكيل. وقد دفع هذا البند من الاتفاق الكثير من أبناء المنطقة إلى الانتقال إلى مناطق انتشارها أو الالتحاق بالقوات ولو بشكل صوري، لتجنب الخدمة الإلزامية في صفوف قوات قسد.

من الصعب التأكد من مصدر تمويل قوات الصناديد، لكن من تحدثت إليهم عين المدينة من أبناء المنطقة، يرجحون أن يكون من عوائد النفط التي يبدو أن الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد، تمنح الشيخ الحميدي بالفعل (10%) منها لتمويل قواته ودفع رواتب عناصرها، كما يقول مقربون من الصناديد. وظلت هذه الحصة موضع خلاف بين الطرفين، مع محاولات "الإدارة" تخفيض هذه النسبة، بذريعة أن الأعداد الفعلية لعناصر الصناديد هي أقل بكثير من الأعداد الاسمية المسجلة.