هل تُسلّم «قسد» مناطق سيطرتها للنظام؟

أثار مقطع فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الفائت ضجة وسخطاً كبيراً من أهالي مدينة الرقة ومن ناشطيها على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث يُظهر الفيديو رتلاً عسكرياً للقوات يسير في أحد شوارع الرقة ويهتف لجيش نظام الأسد.

المقطع الذي تمّ البحث في ماهيته، وبحسب المصادر من مدينة الرقة، تبين أنه (مفبرك)، إذ تمّ إدخال الصوت على الفيديو من قبل أحد المارين، الذي قام بتصويره، لكن المقطع برغم ذلك أحدث ردّة فعل كبيرة لدى الأهالي والناشطين والمتابعين للوضع شرق الفرات، وحرّك الشكوك حول مصير مدينة الرقة التي عادت إلى الواجهة من جديد، بعد تسريبات عديدة كان أبرزها عقد اتفاق بين الإدارة الذاتية ونظام الأسد.

 على أن الأمر لم يعد مُقتصراً على التسريبات والإشاعات بالنسبة إلى المتابعين، إذ يبدو مصير الرقة حقاً قد بات مجهولاً، بعد تمكّن الوحدات الكردية (العامود الفقري لقوات قسد) من القضاء بشكل شبه كامل على لواء ثوار الرقة، الفصيل الوحيد الذي ظلّ يُعبّر عن المجتمع الرقاوي وحافظ على تبعيته للجيش الحرّ بعمله مُستقلاً عن تشكيلات قسد، حتى وقت محاصرته ثم مهاجمته من قبل الوحدات.

وبالفصل بين الإشاعات المتداولة ومسيرة لواء ثوار الرقة في ظل قوات تضمّ العديد من القوى القومية المتعصبة؛ فإن القضاء على لواء ثوار الرقة تقف خلفه أسباب عديدة، منها ما هو قديم متعلق باللواء ويعود لمشاركته بمسماه القديم (الفرقة 11) في الهجوم على مواقع الوحدات الكردية في مُحيط تل أبيض؛ ومنها ما هو متجدّد ومتعلّق بالوحدات التي عبّرت بالهجوم عن خوفها من تشكيل كتلة مستقلّة لأبناء الرقة تلتفّ حول اللواء، ثم تُصبح قوة يمكن أن تهدّد مشروعهم في الرقة ومحيطها، خاصة أن ذلك جاء بعد المظاهرات الأخيرة التي خرجت في المدينة ضد (قسد)؛ إلا أن أحد أهم الأسباب، وبحسب تسريبات من مصادر محلية، هو أن حل ّاللواء جاء كأحد أهم مطالب مسؤولي نظام الأسد ضمن الاتفاق الذي لازال سريّاً مع الإدارة الذاتية، بحسب التسريبات، كون اللواء لازال يحمل علم الثورة السورية، ويرفض عودة نظام الأسد للرقة.

 الاتفاق الذي نشرت عنه عديد الصحف والمواقع الإخبارية، يشمل دمج الوحدات الكردية بجيش النظام، ويعتبر خدمتهم السابقة من ضمن الخدمة العسكرية الإلزامية، كذلك جعل المناطق الخاضعة لنفوذ الوحدات مناطق إدارة لا مركزية تتبع لحكومة دمشق، واعتماد اللغة الكردية لغة رسمية في الدولة؛ في مقابل إزالة كافة الصور والشعارات الخاصة بحزب العمال الكردستاني والإدارة الذاتية من مناطقها شرق سوريا، وإقامة حواجز مُشتركة للطرفين وعودة الدوائر الحكومية وشعب التجنيد للمناطق الخاضعة لسيطرة قسد، والأهم في الاتفاق تسليم حقول النفط مقابل وضع وزير نفط كردي من الإدارة الذاتية.

 وبالفعل باتت تظهر للعلن بعض بنود هذا (الاتفاق) على أرض الواقع؛ فالإدارة الذاتية باشرت الأسبوع الفائت بإزالة الصور والشعارات الخاصة بها، بينما جاءت تصريحات ألدار خليل القيادي البارز في صفوف الوحدات لتفسر الأمر بأنه "يأتي في سياق بند التطوّر وتنظيم الأمور وتعديلها بدقة أكثر".

ورغم أن الحديث عن (الاتفاق) بين الطرفين يشمل محافظة الحسكة فقط، إلا أن محادثات جرت في مدينة الطبقة ودبسي عفنان -بعد افتتاح معبر بين الطرفين- بهدف عودة بعض دوائر النظام للعمل في محافظة الرقة، وهو ما ينذر بأن مناطق الإدارة الذاتية كافة ستُواجه مصير عودتها لنظام الأسد في حال تمّ (الاتفاق) بين الطرفين.

 ورغم أن قوات قسد بدأت عملية التفاوض بعد تهديدات بشار الأسد الأخيرة في تصريحات تلفزيونية، إلا أن هناك دوافع أخرى غير التهديدات قد تكون دفعت الوحدات إلى التفاوض. فخسارة مدينة عفرين، إحدى أبرز معاقل الوحدات الكردية في سوريا، وسيطرة القوات التركية والجيش الحر عليها، دقّ ناقوس الخطر لدى الإدارة الذاتية التي باتت ترى في واشنطن حليف مصلحي وقتي، وأن أي اتفاق معها قد يُواجه مصيراً مشابهاً لمصير عفرين أو منبج بالحدّ الأدنى، لتصبح بالتالي العودة لنظام الأسد أقل خطراً -بالنسبة إلى الوحدات- من دخول القوات التركية والمعارضة لشرق الفرات، والقضاء على حلم الفيدرالية التي يُفكرون في استمراريتها.

لم تعلّق القوات الأمريكية أو التحالف الدولي على التسريبات أواللقاءات المستمرة بين مسؤولي نظام الأسد ومسؤولي الإدارة الذاتية، في ما يبدو أنه مراقبة عن كثب لكل ما قد يُصبح مقدمات لفرصة سانحة لخروج أمريكا من سوريا، خاصة بعد تصريحات ترامب السابقة بالانسحاب منها قريباً.