هل أتاكَ حديثُ «المَعبَر»؟!

جانب من المعبر | من شبكة الإنترنت

حــلــب فـي رمضان...
هل أتاكَ حديثُ «المَعبَر»؟!

 

امرأة من حلب | من شبكة الإنترنت

امرأة من حلب | من شبكة الإنترنت

لم تبدأ الحكاية عندما أعلنت كتائبُ وألويةٌ من الجيش السوري الحر، قبل رمضان بأيام، بدء معركة «القادسيّة» لتحرير أحياء حلب الغربيّة، بل بلغت ذروتها منذ هذا الإعلان، الذي أدّى إلى تصاعد الاشتباكات على الطريق الذي يصل هذه الأجزاء من حلب، التي ما زالت بيد قوات النظام، بباقي المحافظات وبالريف، مما تسبّب في إغلاق هذا الطريق عملياً، وتوقف نقل الطحين والأغذية والوقود. إذ إن حكاية حلب حكاياتٌ.
ففي حكاية الثورة سجّلت حلب تأخراً رصده كلّ الثوّار والمتابعين. وعندما تشكّلت فيها بؤرٌ للتظاهر كانت أكثرها في الأحياء الشعبية، التي تضمّ سكاناً من الفقراء أو من الريفيين المهاجرين إلى المدينة على الأغلب، بينما ظلّت أحياء الطبقة المتوسطة والغنيّة، التي يقطنها الحلبيون الأصليّون عادةً، بعيدةً عن الثورة، ومتشكّكةً فيها، إن لم نقل إن كثيرين منهم قد رفضوها،

على إيقاع ذاكرة الثمانينيات الدموية، التي تمّ إيقاظها من هجعتها بسرعةٍ وفاعليّةٍ.
وفي حكاية الجيش الحرّ، الذي مضت على دخوله حلب، وتمكّنه من السيطرة على نصف مساحتها، سنةٌ كاملة، منذ رمضان الماضي؛ تلكأت الأحياء الغربية للمدينة عن استقباله، بينما وجد أرضاً خصبةً لتمدّده السريع في معظم الأحياء الشرقية نفسها التي كانت حاضنة التظاهر، لا سيّما وأنها تتكوّن أساساً من أقارب وأبناء قرى مقاتلي الكتائب القادمة من الريف على وجه العموم.
لا ينطبق المخطط السابق حرفياً بالطبع، فقد أيّد العديد من أبناء المدينة وبرجوازيتها الثورة، بينما هرب كثيرٌ من ساكني الأحياء الشعبية عند دخول الجيش الحرّ إليها، وسرعان ما انتظم بعضهم في صفوف «كتائب البعث»، الشكل المحلّي الرسمي، المحدَث منذ أشهر طويلة، للشبّيحة الذين يسيطرون على حلب الغربيّة حالياً. غير أنه تبقى لهذا المخطط فائدة الدلالة على التوجّه الأعمّ الأغلب، والذي استقرّ في الأذهان على كلّ حال، بوصف أحياءٍ من المدينة، لا زالت تحت سيطرة النظام، بأنها «مؤيدة»، وأحياءٍ أخرى، سيطر عليها الجيش الحر، بأنها «ثائرة»، بمؤازرةٍ وإمدادٍ من الريف المشتعل.
وباتساع خطوط التماس وازدياد خطورتها، اقتصرت الصلة بين «الحلبين» الشرقية والغربية، على «معبرٍ» وحيدٍ هو معبر كراج الحجز، الذي يصل بين حيّ المشارقة من جهة قوات النظام، وحيّ بستان القصر الشهير على الضفّة الأخرى. ويُستخدم المعبر لمرور الأشخاص فقط، ولا تقطعه السيارات. ويطلّ عليه قناصٌ من قوات النظام، يمطره برشقاتٍ أو طلقاتٍ مزاجيةٍ. فامتنع الكثير من سكّان الطرفين عن المغامرة بالذهاب إلى الأحياء المقابلة، وأخذ نصفا المدينة بالتباعد مزاجياً ومعيشياً. ففي الشطر الشرقيّ تعرّض الناس لقصف قوّات النظام، ولصعوباتٍ كبيرةٍ في تأمين الخدمات، وتنظيم شؤون المجتمع المنتقل إلى حريّةٍ وليدةٍ دون إعدادٍ مسبق، فيما كانت حلب الغربية تذوي ببطءٍ، تحت وطأة انقطاعاتٍ طويلةٍ في الكهرباء والمياه والاتصالات، وتعطّل الأعمال أو تراجعها بشدّة، واقتصار الأسواق، المرتجلة بعشوائية وفوضى، على الضروريات، واستباحة الشبّيحة الجدد، الفظّة والعدوانيّة، لما تبقّى تحت أيديهم من المدينة وأهلها.

ولكن انقطاع اتصال حلب الغربيّة مؤخراً مع طرق إمدادها، هو ما كسر التجاور الحذر بين الشقيقتين، عندما اضطرّ قاطنوها إلى العبور، تحت وطأة الأزمة المعيشية، ليتبضّعوا حاجاتهم اليومية من الخبز والخضار واللحوم وسواها، وعاد كلٌ منهم ومعه حكايته عن «حلب المحرّرة». فقد أضاع القائمون على المعبر من جهتها فرصةً قد لا تتكرر للدعاية لنمط العيش الذي يقدّمونه. بل رسم التخبّط وتعدّد مرجعيّات قرارات السماح بإخراج المواد الغذائيّة، أو منعه، صورةً بالغة السوء عن طريقة إدارة سوريا ما بعد الأسد، في أذهان جمهورٍ واقعٍ أساساً تحت الهيمنة الإعلامية لروايات النظام. ولم يفعل معظم من تعاقبوا على الحاجز، خلال أيامٍ قليلةٍ،إلا تعزيز هذه الروايات عن الفوضى التي يحدثها «المسلّحون»،

الذين لم يتوانوا مراراً عن إتلاف المشتريات برعونة، وإهانة المتسوّقين بوصفهم من «كلاب» الأسد، ومعاملتهم بثأريّة واضحة، وترويعهم بالرصاص!