هارب من سجن الهيئة في إدلب وناجٍ من الطيران الروسي .. شهادة ناشط ثوري

سجناء في السجن المركزي في مدينة إدلب، شمالي البلاد

"بعد أن أصبحت في مكان آمن نسبياً، سمعت عن الكثير ممن سلموا أنفسهم للهيئة طوعاً على أمل أن يطلقوا سراحهم، إذ كان وضعهم مثل وضعي في "سجن شاهين" قبل قصفه ينتظرون إجراءات إطلاق سراحهم، لكن الهيئة لم تخرجهم حتى الآن".
 
بذلك ختم محدثنا السجين السابق في سجن إدلب المركزي العسكري (سجن شاهين/ مبنى سجن إدلب المركزي) حديثه حين سؤاله عما إذا كان يفكر في تسليم نفسه لهيئة تحرير الشام، خاصة أنه كان ينتظر إطلاق سراحه بعد سقوط التهم التي ألصقتها الهيئة به بعد اعتقاله.
 
في يوم الأربعاء بتاريخ 13/3/2019 من فترة انتظاره، كان مع زملاء المهجع في الركعة الثانية من صلاة العصر عندما هزهم أول انفجار وشملهم الغبار ودخان البارود. "سمعنا أصوات أقدام السجانين يركضون وإغلاق أبواب السجن" يقول محدثنا، ويقدر مرور خمس دقائق قبل أن تقصف الطائرة مرة ثانية، في تلك الأثناء حاول النزلاء فتح باب المهجع لكنهم فشلوا، بعد الغارة الثالثة انهارت الجدران وقطعت الكهرباء، ومع الغبار والدخان وكثرة الممرات لم يستطع المساجين معرفة جهة الخروج. يكمل "بعد الغارة الرابعة رأينا الضوء. في خروجي رأيت عشرة أشخاص معلقين، حاولنا فتح أبواب زنازين وإنزال الأشخاص لكننا لم نستطع". 
 
في الفترة التي قضتها الطائرة لتنهي الغارات التسع التي نفذتها، كان السجانون متوارين في وادٍ محاذٍ للسجن يراقبون السجناء أثناء خروجهم باتجاه أراض صخرية عرقلت أساساً حركة أرجلهم الحافية، ثم فتح السجانون النيران باتجاه الوادي لمنعهم من الابتعاد، لكن استطاع البعض الهرب في سيارات ودراجات نارية؛ يقول محدثنا "سلكتُ مع أربعة آخرين طريق الجبل غير المراقب، بتنا ليلتها في البرية، ثم في بيت مهدم في اليوم التالي، واندمجنا بعدها مع حركة سوق الجمعة في معرتمصرين، ومن هناك هربنا إلى مكان آمن". 
 
محدثنا ناشط ثوري من ديرالزور، عمل لسنوات في الهياكل المدنية التي أفرزها الحراك الثوري، امتنعنا عن ذكر اسمه حفاظاً على سلامته. نزح باتجاه إدلب بعد اعتقاله من قبل تنظيم داعش؛ كان بذلك يخوض تجربة اعتقاله الثاني لأسباب سياسية، بعد اعتقال أول أوصله إلى فرع فلسطين في بداية الثورة، ما يحيله بشكل دائم إلى ملاحظة المشتركات في المعتقلات الثلاث وطرق التعامل مع المساجين في كل من القوى الثلاث التي ساقته إلى تلك المعتقلات. "لم يكن الاعتقال بسبب اشتباه مثلاً، بل بسبب وشاية كيدية" يقول الناشط الثوري. 
 
في الخلاف الذي دار بين جبهة النصرة في ديرالزور وتنظيم داعش، انتقلت كتائب عدة -أفراداً أو جماعات- من بيعة الأولى إلى الثاني بعد سيطرته على كامل المحافظة، إحدى هذه الكتائب "كتيبة جنود الحق" بقيادة فراس السلمان. ظل عناصرها يحملون عداواتهم لأعضاء المجالس والمنظمات والتجمعات المدنية، لكن الأمر لم يطل بهم في تنظيم داعش بسبب وقوف صرامة التنظيم أمام فسادهم، كما يحلل البعض، أو بسبب انحسار سلطتهم أمام سلطة قادة التنظيم من خارج مناطق عناصر الكتيبة كما يحلل البعض الآخر. بغض النظر عن السبب، هرب عناصر الكتيبة باتجاه إدلب، وينخرطون اليوم في صفوف هيئة تحرير الشام. 
 
على أحد حواجزها وبتاريخ 18/2/2019 أوقف عنصر من الكتيبة محدثنا. يقول "توعدني سابقاً.. كان قد أراد مني خدمة غير مستحقة فرفضت".
 
في الطريق إلى المعتقل جرده عناصر الهيئة من جهازه الجوال وأوراقه، وهناك تلقى التعذيب بوضعه في "الدولاب" وضربه بالكبل الرباعي، لكنه لم يقر بالتهم الموجهة إليه، وقد عرفها مفصلة من المدعي العام الخاص بالهيئة عندما قرأها عليه بكل هدوء، كما روى واستدرك "صحيح أني ثبتّ أمام التعذيب، الذي كان مركزاً على الرجلين، لكنه لم يكن عنيفاً أمام ما شاهدت من شبح وتعليق إلى الخلف، وما سمعت به عن صعق بالكهرباء". في ذلك الوقت ضم السجن معتقلين بسبب محاولة سفرهم إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، إلى نشطاء من مختلف المشارب، إلى عناصر من الهيئة متهمين بالسلب ينتظرون دفع الغرامات المفروضة عليهم، إلى معتقلين ينتمون إلى الجهاز الأمني لداعش، وهم الأكثر تلقياً للتعذيب، كما يسجّل. أما "خلايا حميميم" التي أعلنت الهيئة عن اعتقالها فكانت قد صفتها في المنفردات. 
 
في ذات بناء سجن إدلب المركزي، يبدأ التحقيق في الساعة العاشرة صباحاً من كل يوم مع المعتقلين معصوبي الأعين، وتجهيز إضبارة لكل منهم تحمل التهم الموجهة إليه مع أقواله التي يقرأها بعد أن يغطي المحققون وجوههم لفك عصابته. يلي تلك الإجراءات تقديمه إلى "القاضي الأول أبو عزام" سعودي الجنسية، الذي يطوف على السجون للبت بالقضايا التي "يعتمد جهاز الهيئة الأمني على جوالات المتهمين كمصدر أول لإثباتها" كما يحلل الناشط الثوري. ضم سجل قضيته ما يقارب عشر تهم، يتذكر منها: الدعوة إلى الديمقراطية، معاداة المشروع الإسلامي، كره الهيئة، الاتصال بالخارج، التآمر على المجاهدين، خطف، تشليح وتجارة سلاح.
 
بانتظار انتهاء التحقيق احتجز محدثنا 14 يوماً في منفردة ضمته مع سجين أو اثنين يبدل السجانون أماكن احتجازهم كل يوم، بعد ذلك أخرجوه إلى المهجع الجماعي حيث كان الوضع كارثياً كما يصف. تختلف المهاجع في سجن شاهين بحسب حجمها وعدد نزلائها، فمنها الكبيرة التي تضم 80 سجيناً، والصغيرة 15، والمتوسطة 40 سجيناً تقريباً، حيث قضى محدثنا عشرة أيام في 50 متراَ مربعاً مع كل هذا العدد من النزلاء قبل أن يقصف الطيران الروسي السجن.
 
"في الجماعية عفونة، تعيش مع ثلاث بطانيات، يقل الأكل أكثر، كنا نعاني من عسر الهضم والجرب وانتشار القمل"، يتألف طعام كل مسجون من أربعة أرغفة مع القليل من البرغل أو المعكرونة أو الرز والمربى الخاصة بالمساعدات، يدخلها السجانون من فتحة صغيرة (20*20 سم) في أسفل الباب، أما الماء فمن حنفية في زاوية المهجع محاطة ببعض البلوك، يستخدمها المساجين كحمام ودورة مياه ومصدر للشرب.