نهاية داعش
جماعة إرهابية في النزع الأخير؟

كريستوف رويتر
دير شبيغل/ 30 آب
ترجمة مأمون حلبي عن الإنكليزية

مدينة تلعفر، إحدى أواخر معاقل داعش في العراق، قدمت عدة قياديين للتنظيم الإرهابي. عندما سيطر التنظيم على المدينة، في حزيران 2014، قتل أو طرد كل الشيعة منها. رداً على ذلك، تصر الميليشيات الشيعية، السيئة الصيت، على أن يُسمح لها بالقتال على الخطوط الأمامية أثناء معركة تحرير المدينة، التي يعيش فيها قرابة 10000 شخص من أصل 200 ألف قبل قدوم التنظيم. هي أيضاً حرب انتقام، وتلعفر هي الجولة القادمة.

خلافة الدولة الإسلامية هي الآن تاريخ. المنطقة الخاضعة لسيطرة الجماعة الإرهابية تقلصت بشكل مفاجئ وكبير، وفقد التنظيم بين 80% إلى 90% من قيادته العليا، ولم يعد لديه تسلسل قيادي عسكري مركزي؛ كل وحدة تقاتل وحدها. في غضون ذلك ترتكب هجمات إرهابية في أوربا باسم التنظيم أكثر من أي وقت مضى. وليس ثمة ارتباط يمكن التحقق منه بين مرتكبي هذه الهجمات وقيادة التنظيم. فالجماعة أطلقت منذ زمن بعيد موجة من الإرهاب ولم يعد وجودها ضرورياً للحفاظ على هذه الموجة. لكن التأثير المطلوب لهذه الهجمات منسجم مع رسالة التنظيم: إثارة الكراهية والضغينة ضد المسلمين كطريقة لدق إسفين في المجتمعات الأوروبية، ودفع المسلمين في أوربا إلى أحضان الجماعة الإرهابية.

هل يواجه التنظيم نهايته؟ يجب الحذر من إصدار حكم كهذا. ففي حزيران 2010 أعلن الجنرالات الأميركيون أنه قضي على الجماعة، لكن الأميركيين كانوا ببساطة قد سرعوا تغيراً جيلياً في قيادة التنظيم، ممهدين الطريق لكي يصبح الوحش الذي بدأ يرعب العالم عام 2014. قادة التنظيم الجدد كانوا جزءاً من السلسلة القيادية لبعض الوقت، وكانوا أكثر خبرة وكفاءة من معظم أولئك الذين كانوا قد قتلوا. ومع ذلك كانوا يشتركون في نقيصة أعاقت صعودهم حينها: كانوا جميعاً ضباطاً في جيش صدام حسين وأجهزة استخباراته. لكنهم كانوا صنفاً من الناس يعرفون كيف يبنون دولة. قد يشبه التمظهر الآيديولوجي لداعش تنظيم القاعدة، غير أن الجماعتين مختلفتان بشكل كبير. أساس استراتيجية تنظيم الدولة الناجحة، في العراق وسوريا وليبيا، كان اختراق الخصم والهجمات الخاطفة، ولاحقاً، إطباق اليد على الأراضي التي كان يسيطر عليها، وذلك عبر ترويع السكان. كانت الدعاية الإسلامية مجرد وسيلة لشرعنة الهجمات ولجذب متطوعين من شتى أنحاء العالم.

ما الذي قد يترتب على الانهيارات الأخيرة؟ بالرغم من أن التنظيم فقد السيطرة على أكبر مدنه، إلا أنه ما زال يسيطر على مساحات هامة من الأراضي، وهو يقاتل على 11 جبهة. وفي سورية ما زال يسيطر على وادي الفرات الخصب ذي الكثافة السكانية، وهي منطقة يُعتقد أن كثيراً من قادة التنظيم قد انسحبوا إليها.

ليس كل عناصر التنظيم على استعداد للموت. فهو مكون من مجموعات متنوعة: بالإضافة إلى الأتقياء و«الشهداء»، الذين يفضلون القتال على الاستسلام، هناك على الدوام وجود للانتهازيين الذين هم أكثر اهتماماً بالمال والسلطة. طالما كان التنظيم مستمراً في الانتصارات كانت هذه العيوب غير مرئية إلى حد كبير. لكن الآن، وسط الضغط المتزايد، أخذ الوضع يتغير. في الخريف الماضي كان واضحاً أن العديد من مقاتلي التنظيم في الموصل كانوا يغادرون، حتى عندما كان آخرون يأتون إلى المدينة.

في أواخر آذار الماضي نشرت وكالة أعماق الذعر بين سكان الرقة عندما أعلنت أن الأميركيين قصفوا سد الطبقة وأنه على وشك الانفجار. طُلب من السكان الفرار فوراً، وهذا ما فعلوه. خلال يوم واحد فرغت المدينة. بعد ساعات جاء الأمر بالعودة. كان التنظيم يعلم أن السد لم يكن معرضاً للانهيار. ولكن عملية الإخلاء الجماعي هذه، وفق أحد مقاتلي التنظيم من الرقة، «سمحت للقيادة بمغادرة المدينة دون التعرض لخطر طائرات الدرون».

ماذا بعد؟ طالما لدى الجماعة ما يكفي من المستعدين للقتال حتى الموت ستستمر في ترك قرية بعد أخرى عرضة للدمار في معارك دموية. لكن التنظيم أخلى منذ زمن قسماً من قيادته ومقاتلي النخبة واحتياطيه الكبير من الذهب لكي يتابع القتال تحت الأرض. وهناك سيعيد تنظيم نفسه وينتظر فرصته ويظهر بشكل مفاجئ باسم مختلف وربما بشكل مختلف. ماركة «الدولة الإسلامية» استُنفدت، لكنها ما تزال نافعة لأغراض دعائية. الظروف في الشرق الأوسط نموذجية لصعود جماعة جديدة من المقاتلين السُنّة.