نشاط خلايا النظام في مناطق قسد من دير الزور

متداولة لقوات النظام في ديرالزور

وجود نهر الفرات في ديرالزور كحد فاصل بين قوات وميليشيات النظام وروسيا وإيران من جهة، و"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) والتحالف الدولي من جهة أخرى، لم يمنع خلايا النظام ومؤيديه وأتباعه من العبث في مناطق سيطرة قسد.

قد يكون وجود حقول النفط ومعمل الغاز كونيكو في منطقة الجزيرة الخاضعة لقوات قسد أحد أهم الأسباب التي تدفع النظام إلى بذل كل ما بوسعه لاستعادتها. ففي خريف العام 2017 عبرت قوات النظام نهر الفرات باتجاه قرية حطلة في محاولة للتقدم داخل مناطق الجزيرة، لكنها فشلت. وكررت المحاولة في شباط 2018 وحاولت التقدم باتجاه الريف الشرقي الذي يضم معمل الغاز والحقول النفطية، لكن القوات الأمريكية تصدت بالقوة لهذه المحاولة وأوقعت عدداً كبيراً من القتلى بين الجنود السوريين والروس.

ويبدو أن تذبذب موقف إدارة ترامب من التواجد العسكري الأمريكي في شرق سوريا أحدث بلبلة شديدة في صفوف السكان والعشائر القاطنين في مناطق قسد. فخلال الفترة الممتدة بين قرار ترامب سحب قواته من شمال شرق سوريا، وقراره بإبقاء عدد قليل منها لحماية النفط والغاز بدلاً من سحبها بالكامل، ارتفعت أصوات في مناطق قسد تدعو إلى لقاء عشائري يطالب بتسليم هذه المناطق إلى روسيا، يقف وراءها مؤيدون بالدرجة الأولى وخائفون بالدرجة الثانية. وكان الأكثر صخباً بين تلك النشاطات الاجتماع الذي عقده شيخ عشيرة الجبور نواف عبد العزيزالمسلط في الحسكة، ودعا إليه شيوخ عشائر ديرالزور مثل عشيرتي العكيدات والبكارة لعقد مصالحات مع النظام، لكن غالبية زعماء العشائر رفضوا المشاركة في اللقاء باستثناء حيدر الهفل أحد شيوخ عشيرة العكيدات.

ويؤكد مصدر في مناطق قسد طلب عدم الكشف عن اسمه، أنه في تلك الفترة أيضاً توجه أشخاص من قرى الريف الغربي الخاضع لسيطرة قسد إلى مدينة ديرالزور، بينهم نشطاء بعثيون سابقون ومخبرون من أبناء هذا الريف، للالتقاء بممثلين عن النظام في فرع أمن الدولة في مركز محافظة ديرالزور، الأمر الذي ردت عليه قسد باعتقال اثنين من الوجهاء العائدين، لم يتسن لعين المدينة معرفة أسمائهم.

ونقل صحافي من دير الزور يتابع عن كثب التطورات في هذه المنطقة، أن هذه الاتصالات كانت قد بدأت قبل ذلك وبشكل سري، خاصة خلال الفترة السابقة لقرار ترامب في 18 كانون الأول من العام 2018 بسحب القوات الأمريكية قبل أن يتراجع عن ذلك بعد أسبوعين. ونقل الصحافي لعين المدينة معلومات عن أهالي المنطقة تفيد بأن 27 وجيهاً من وجهاء الشعيطات من سكان منطقة الجزيرة توجهوا بين شهري أيلول وتشرين الأول من العام 2018 إلى دمشق سراً، حيث التقوا بممثلين عن النظام في صحنايا. وأكد الصحافي أيضاً أن الوجهاء الذين زاروا دمشق يقيمون في الوقت نفسه علاقات وثيقة مع قوات قسد، ما يكشف التذبذب في المواقف كلما صدر قرار بسحب قوات التحالف من سوريا.

استراتيجية النظام وحلفائه

لا تتبع القوات الروسية في منطقة ديرالزور استراتيجية واضحة حيال رغبتها بمد سيطرتها على مناطق قوات قسد، لكن الزيارات التي قام بها ضباط روس إلى المناطق المتاخمة لقوات قسد، والجو الاحتفالي الذي استقبلهم بهم فادي العفيس القيادي في ميليشيا الباقر الشيعية، لطلب دعمهم في التقدم نحو مناطق قسد وزيادة الحشود العسكرية الروسية في هذه المنطقة، يؤكد نية روسيا ورغبتها في فرض سيطرتها على المنطقة.
بينما تبدو الميليشيات الإيرانية أكثر وضوحاً وأكثر اندفاعاً، فهي تحاول تجنيد شباب المناطق الخاضعة لقسد بشتى الوسائل، وقد اعتقلت قسد مؤخراً أحد عناصر الميليشيات التابعة لإيران من سكان قرية أبو حمام.

بالمقابل تبدو استراتيجية النظام مختلفة، فيقوم مؤيدوه برفع علمه في بعض هذه المناطق كما حصل في بلدة هجين مؤخراً، كما قام البعض الآخر بكتابة عبارات تهديد ووعيد مذيلة باسم "وهج الدم" وهو لقب لأحد عناصر الميليشيات المحلية التابعة للنظام في حمص، يروج له البعض من أقاربه في قرية غرانيج الخاضعة لسيطرة قسد. في حين يروي قسم ممن تكلمت معهم عين المدينة عن توظيف النظام لأشخاص يروجون له في مجالسهم مثل جاسم القطمير وأولاده الثلاثة الذين سبق أن اعتقلتهم قسد في تموز من هذه السنة.

ويوضح مصدر متابع للوضع في المنطقة أن النظام تمكن عبر مخابراته من اختراق قوات قسد. ونشرت وسائل الإعلام المحلية صورة بطاقة صادرة عن "شعبة المخابرات في القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة" لشخص تبين أنه مقاتل أيضاً في قوات قسد التي أعلنت أنه شكل خلية قامت بأعمال تخريبية منها قتل مدني من أبناء قرية غرانيج في تموز من هذا العام، وبعد اكتشاف أمره لاذ بالفرار إلى الحسكة حيث دخل المربع الأمني هناك، وتتحدث مصادر محلية لعين المدينة عن وجود 150 بطاقة مماثلة على الأقل لأشخاص في منطقة الشعيطات وحدها.

قسد وخلايا النظام

حتى الآن يتحاشى الإعلام الرسمي لقسد نشر أي شيء بخصوص اعتقال أجهزتها لخلايا تابعة للنظام أو مؤيدين له أو ملاحقتهم بسبب نشاطاتهم، كما لم تعلق إعلامياً على أي من الاعتقالات المذكورة أعلاه، ما يجعل موقفها غامضاً حيال هذا الملف. في حين أكد أحد أفراد الأمن العام التابع لقسد لعين المدينة، أن نسبة خلايا النظام من ضمن معتقلي قسد تتجاوز الأربعين بالمئة، لكنه لم يفسر الكيفية التي تسير وفقها الاعتقالات، أو الاتهامات التي توجهها قسد للمستهدفين منها، كما أن النسبة تبدو مبالغاً فيها إذا ما قورنت بالاعتقالات التي يتعرف فيها الأهالي وصفحات محلية على استهداف لخلايا تابعة لتنظيم الدولة "داعش" أو عناصر سابقين في الجيش الحر.

وما يزيد في غموض موقف قسد من أتباع النظام، تردد عساكر يخدمون في صفوف قوات الأسد إلى مناطق قسد لقضاء إجازاتهم العسكرية، إضافة إلى المعابر النهرية غير الرسمية التي تشكلت برضا غير معلن لقسد، وبوساطة وجهاء من قرية الشحيل توسطت بين النظام وقسد، وتستعمل المعابر لتهريب النفط باتجاه مناطق سيطرة النظام في ديرالزور.

هذا الغموض أو التساهل بالإضافة إلى المجريات الأخيرة، وتصدر بعض الوجاهات لدور الوساطة مع النظام في المنطقة، قد يكون السبب في انشقاق عدد من عناصر مجلس ديرالزور العسكري التابع لقسد بعد انطلاق عملية نبع السلام وتوجههم لتسوية أوضاعهم لدى النظام بأعداد ليست موثقة. والانشقاق الأبرز كان لأحمد محمد الأمين الملقب ب "هلس" بعتاده وذخيرته وآليته، بعد أن كان مسؤولاً في جهاز أمن قسد.