نايف العاقل.. (البطل) الفلكلوري في قريته النائية

تراجع قليلاً ذكر الضابط السابق نايف العاقل مع تقدم جيش النظام في درعا، بالتزامن مع تصاعد دعوات الثأر في قريته أم الرمان، التابعة لصلخد السويداء، لقتلاها؛ لكن ذلك لن يُؤثر في الحالة الفلكلورية للعاقل، وفي مسيرته التي قطعت مع المألوف في قريته، وقبل أن تحاول التأسيس بعناصر الماضي.

نايف العاقل من مواليد 1949، هو واحد من عدة شخصيات حاول الأسد تصديرهم -كلٌ لمجتمعه- فباتت تُروى عنهم القصص والأساطير المُكررة، فتُنسب كل مرة لواحد منهم، مثل كسر البلاط تحت الأرجل أثناء أداء التحية للأسد الأب، أو غرز وسام التكريم الذي قدّمه الأخير في صدورهم بدل تثبيته بالبزّة العسكرية، بهدف إظهار مدى التزامهم وتفانيهم في خدمة الأسد، واستعدادهم لتسخير (قوتهم) في سبيله، ليكون كل منهم بذلك مثالاً يُحتذى بالولاء والطاعة والخضوع.

ويمكن النظر لسيرة العاقل على أنها سيرة ضابط مخلص لنظام (بشّر) بالانقلاب على المجتمع، وإعادة ترتيب مُسلّماته الاجتماعية والرمزية، فشارك ذاك الضابط المغمور في حرب تشرين، وكان حينها برتبة ملازم ضمن الكتيبة "82مغاوير مظليين"، حيث أسعفته شجاعته ليكون من أوائل الواصلين إلى مرصد جبل الشيخ، ومن المُشاركين بإنزال العلم الإسرائيلي عنه ورفع العلم السوري، كما تروي السرديات الرسمية والفرعية للنظام عن وقائع الحرب، التي تحوّلت إلى لحظة تأسيسية في مسيرة العاقل، فقلبت سلّم الترقية الاجتماعي في قريته، لتضع في قمته "الضابط البطل"، وتبدأ منذ ذلك الحين في النسج على نول الماضي الذي انقلبت عليه، بالاستعانة بمخيّلة شعبية حاكت سلسلة من الحكايات التي تتحدث عن (بطولاته): من اختراق الصفوف الأولى للجنود الإسرائيليين بسلاحه الفردي، إلى قتله عدداً منهم بيديه العاريتين وأسرِ أكثر من 30 منهم أحياء!.

على المستوى الرسمي، استمر النظام وحلفاؤه في تكريس تلك اللحظة التأسيسية لشخصية "الضابط البطل"، فمن حصوله على "وسام بطل الجمهورية" عام 1973، إلى "وسام 6 تشرين" عام 1974، و"وسام الشجاعة" في العام نفسه، إضافة لوسام جرحى الحرب ووسام سلام لبنان عام 1977؛ إلى حضور كاريكاتوري شبه قسري في احتفالات وفعاليات أهليّة ومدنية، يبدو فيها العاقل اليوم ديكوراً للتصوير والتسويق تحت ضغط انتماء تلك الفعاليات للجهة التي تصدر عنها شخصية "الضابط البطل"، وتحت ضغط من نوع آخر، يظهر في اللقاءات التلفزيونية مع الرجل، ويتعلق بشخصية وجدت في (البطل) ضالّتها فتماهت معه، رغم عدم امتلاكه لمنصب كبير في صفوف قوات الأسد بعد الحرب التكريسية.

بقي الأمر على حاله حتى بدأت حالة التوتر في محافظة حماة إبان انتفاضة الإخوان المسلمين، ليظهر إلى الواجهة مُجدداً كقائد عسكري ترقى من قائد سرية إلى قائد كتيبة برتبة رائد عام 1979، ثم مقدّم ومنه إلى قائد فوج، وأحد المسؤولين عن المجزرة التي ارتكبت في حماة.

غاب "العاقل" عن المناصب المهمة مرة أخرى، منذ ذلك الوقت إلى أن تقاعد أخيراً برتبة عميد، ما يشي بالمنطق الاستخدامي الذي تعامل به الأسد الأب مع العاقل، وشخصيات أخرى تُمثل بانتمائها الديني أو المناطقي واجهة تبقيه بعيداً عن المسؤولية، سواء في قضايا الفساد أو في المجازر والمذابح. لكن العاقل استمر في ترقّي المناصب الاجتماعية في منطقته، ليفتح مضافة يستقبل فيها علية القوم من شيوخ عقل ووجهاء وأثرياء، ومنذ الحرب، يستطيع الوقوف إلى جانبهم على قدم المساواة. حتى عمل بشار الأسد لمحاولة إعادته إلى واجهة الصراع السياسية والسلطوية مجدداً مع بدء الثورة السورية عام 2011، نظراً لما صار لاسمه من مكانة في ذاكرة أبناء السويداء، فتسلّم منصب مستشار للأسد في القصر الجمهوري.

استعاد نايف العاقل بعد ذلك بزّته ورتبته العسكرية، وبدأ بتشكيل ميليشيا جديدة تتبع للنظام في السويداء منتصف عام 2015، تحت اسم "درع الوطن" بالتنسيق مع قوات النظام وأجهزته الأمنية بهدف جمع الميليشيات الناشئة طوال سنوات الثورة السورية في السويداء، إلا أن التشكيل الجديد لم تُكتب له الحياة، فاقتصر دوره على ضجة إعلامية انطفأت سريعاً بلا أي دور فعليّ على الأرض. وفي محاولة لإبقائه تحت الضوء، استدعي العاقل حين منح القيادة العسكرية الروسية (وسام البطولة) لقريبه العميد إياد العاقل، في أيلول العام 2017، لكن ذلك لن يُضيف شيئاً للوجيه أبو طلال الذي وصل إلى مكانة مرموقة في قريته النائية أم الرمان.

لم يشعر الضابط الحاصل على وسام بطولة الجمهورية من حافظ الأسد بالإهانة من تهميشه لسنوات طويلة، واستدعائه عند الحاجة إلى واجهة (مناسبة) من أبناء السويداء، وربما يكون قد شعر بالفخر لذلك، معتبراً نفسه (بطلاً) حقيقياً يلجأ إليه رئيس الدولة عندما يوقع نفسه بكثير من المتاعب التي لا يستطيع الخروج منها. وعلى عكس عصام زهر الدين الذي جنّد إلى جانبه ابنه "يعرب"، لم يكن لنايف العاقل أبناء ذكور يمنحهم مناصب قيادية لم يستطع أن يحصل عليها لنفسه، أو ينقل إليهم تلك (البطولات) التي صنعها له نظام (بشّر) أتباعه بالانقلاب على المجتمع، ثم عاد ليتمثل الأدوار التي يصنعها المجتمع إياه، ويتقمصها في آخر أيامه.