موازنة 2022 تحول الحياة في دمشق إلى جحيم من الغلاء والهواجس المخيفة

"سوق الحرامية" في دمشق (حسن بلال/ Getty)

كان الإعلان عن موازنة العام 2022 بمثابة كارثة للسوريين الذين يعيشون ضمن مناطق سيطرة النظام، فقد تم إصدارها بالتزامن مع سلسلة من القرارات التي طالت تقريباً جميع طبقات وشرائح المجتمع، وشملت استهداف القطاع الخاص بمزيد من الضرائب.

منذ إعلان حكومة النظام السوري عن رفع أسعار الكهرباء بنسب تتراوح بين 100% و800%، وأبو محمود لا ينام الليل. يقيم الخمسيني وسط العاصمة وكلما اعتاد على تلبية ضروريات الحياة في مدينة مصابة بغلاء وصل حدود الفحش، تواجهه مطبات معيشية وخدمية جديدة، لتقضي على ما تبقى لديه من أمل في الحصول على معيشة بسيطة لا تكدرها عقبات جديدة.

 مثل أبو محمود يخشى قصي وهو دمشقي أيضاً من فراغ آخر حفنات غاز الطهي من أسطوانته المنزلية. مع قيام حكومة النظام برفع أسعار الغاز المنزلي بنسبة 130 بالمئة والصناعي بنسبة 300 بالمئة، بات الحصول على هذه المادة الموجودة/المفقودة أشبه بالحلم. يقول أبو محمود: "الأسعار باتت جحيماً يلتهم كل ما لدينا من مال.. بتنا نعيش في عزلة عن العالم الخارجي. الحصول على أبسط الخدمات بات نوعاً من الترفيه".

يدرس النظام إلغاء الدعم الحكومي للمواد الأساسية عن نصف مليون سوري: التجار من الفئة الأولى والثانية، إضافة لكبار ومتوسطي المكلفين بالضرائب من وزارة المالية، والمحامين الذين يمارسون المهنة منذ أكثر من 10 سنوات، وكذلك الأطباء المتمرسين، والمديرين والمساهمين في المصارف الخاصة، والمساهمين في الشركات المدرجة في أسواق الأوراق المالية.

 كما قام النظام برفع الرسوم الجمركية على أجهزة الهاتف الجوال لتصبح 30 بالمئة بدلاً من 20 بالمئة. كل ذلك مع وجود توجه حكومي لرفع الدعم عن مبيع الكهرباء تدريجياً عن الصناعيين، إضافة لما تم مناقشته في مجلس الشعب من فرض رسم 1% من قيمة الكهرباء المستهلكة من كافة المشتركين وتحويلها إلى “صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة”، مع إضافة رسم على فواتير الكهرباء والسيارات الفارهة لصالح صندوق الطاقات المتجددة.

 ومن المتوقع أن تتسبب قرارات النظام بحدوث كساد كبير في السوق السورية سيكون أكبر من الجمود الحالي، مع زيادة حجم الفارق بين دخل الفرد وأسعار السوق. كما يرجح مراقبون حدوث ارتفاع يطال أسعار المواد الأساسية وعلى رأسها الخبز خلال الأسابيع المقبلة.

 ويقول عدد من سكان دمشق لعين المدينة أن حجم الغلاء الحالي لا يتناسب إطلاقاً مع مداخيلهم، لاسيما العاملين بالمياومة والموظفين وعمال القطاع الخاص. وتنتاب هؤلاء السكان هواجس من عدم تمكنهم من الحصول على الدفء خلال فصل الشتاء، إذ بخرت الأسعار الجديدة للكهرباء آخر آمالهم في تشغيل مدافئ الكهرباء بضع ساعات في اليوم.

 يرى الباحث الاقتصادي سمير طويل أن النظام لجأ إلى ورقة تقليص النفقات ومن ضمنها الدعم الاجتماعي مستنداً إلى اعتياد المواطنين على التعامل مع السوق السوداء، ويضيف خلال حديث لعين المدينة أن النظام انطلق من هذه النقطة ليطبق قفزات موسعة نحو تحرير الأسعار، وهو مشروع بدأ النظام الحديث عنه منذ العام 2009.

 يشير طويل إلى أن النظام السوري خرج من مرحلة التمويل بالعجز -إذ كان يعتمد على الاستدانة من المصرف المركزي- نحو مراحل أدنى، نظراً لعدم توفر المال داخل الخزينة. ويتابع: "تهدف الإجراءات الأخيرة للنظام بحق الصناعيين والقطاع الخاص وصولاً إلى المواطن نفسه إلى تلافي العجز في موازنة العام المقبل. على ما يبدو لم يعد النظام يمتلك أي خيار لتمويل الموازنة من خلال فرض المزيد من الرسوم والضرائب وتقليص حزمة الدعم".
 
يوضح طويل أن بندي الإنفاق والإيرادات تراجعا خلال الموازنة الجديدة، وفيما كانت إيرادات موازنة العام 2010 تقرب من 8 مليار دولار، لا تتجاوز موازنة العام 2021 أكثر من 600 مليون دولار وهذا فارق ضخم جداً بين الرقمين.