مهنة الصرافة في المناطق المحررة.. بين الحاجة والمخاطر

ظهرت في المناطق المحررة مع بداية الحرب السورية محلات لصرف العملات الأجنبية، ليحفظ من خلالها التجار أموالهم و"يقلبونها" بحسب حاجتهم، وخاصة بعد تفاوت سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار والعملات الأخرى، فضلاً عن قيامها أيضاً بعمليات تحويل الأموال من مكان لآخر، لكن أصحاب هذه المحلات لم يسلموا من عمليات الخطف والسرقة والقتل في ظل الفلتان الأمني الذي تعيشه المناطق المحررة.

وليد الشيخ أحمد من مدينة إدلب، عامل في إحدى منظمات المجتمع المدني في المحافظة، يتحدث لعين المدينة عن أهمية مكاتب التحويل بقوله: "انتشار مكاتب التحويل وفّر علينا الوقت والجهد، وقلل نسبة المخاطرة التي ترافق عملية نقل الأموال، على خلاف السنين الأولى من الحرب، حيث كانت المبالغ المالية تنقل باليد عن طريق المنظمات إلى داخل سوريا، كذلك يتم التحويل من مناطق النظام السوري إلى مناطق سيطرة المعارضة وبالعكس عبر مكاتب الصرافة، مما يوفر صعوبة التنقل بين المناطق السورية".

تحصل أم عامر على مرتبها الشهري من خلال مكاتب التحويل، وهي مدرسة متقاعدة من معرة النعمان، وعن ذلك تشرح بقولها: "سلمت أحد أقربائي بطاقة الصراف الخاصة بي، باعتباره يدرس في محافظة حماة، ويقوم شهرياً بقبض راتبي وإرساله لي عبر مكاتب التحويل، مما وفّر علي التكاليف وعناء السفر، حيث لا يستغرق تحويل المال سوى دقائق، حسب سرعة الإنترنت، ويمكن للشخص أن يستلم مبلغه فور حضوره إلى مقر الشركة التي تم التحويل إليها".

يعتمد معظم سكان المناطق المحررة في معيشتهم على الحوالات التي تصلهم من أقربائهم خارج سوريا، أو المنظمات التي يعملون لديها، حيث تصلهم مبالغ مالية بالدولار بشكل أساسي، ولهم معاملات بالدينار الأردني والريال السعودي، كما دخل مؤخراً اليورو بعد أن هاجر عدد كبير من الشباب إلى أوروبا، حسب أحمد الأسود صاحب محل صرافة في إدلب، الذي يعتقد أن مكاتب الصرافة والحوالات المالية "ساهمت بفك العزلة الاقتصادية وربط المناطق المحررة مالياً مع باقي المناطق السورية، وكذلك العالم، من خلال تسهيل وصول الأموال والمبالغ المالية مهما بعدت المسافات، كما أن المئات من العاملين في المجال الإعلامي أو الإغاثي أو موظفي المنظمات الإنسانية يتقاضون رواتبهم من خلال هذه المكاتب بكل أريحية، والتي تصلهم من تركيا أو الدول الأوروبية".

ويشير الأسود بأن الصراف يجب أن يكون ملتزماً بقواعد السلوك الأخلاقي وحسن التعامل والأمانة، وإيصال الحقوق والأموال إلى أصحابها. وعن صعوبات العمل يوضح الأسود بقوله: "هذا العمل يتطلب رأس مال جيد حتى نستطيع تلبية احتياجات الناس، كما يحتاج للجرأة في البيع والشراء، فأسعار الصرف ترتفع وتهبط باستمرار بسبب الأحداث السياسية والعسكرية التي تمر بها المنطقة، كما نعاني من انتشار عمليات تزوير العملة، الأمر الذي جعل مهنة الصرافة تتطلب مهارة خاصة تمكن من يعمل بها التعرف بسهولة على الأوراق المزيفة من النظرة الأولى، وهذا لا يتوفر إلا من خلال الخبرة والممارسة".

من خبرته يتحدث الأسود عن أن مهنة الصرافة تحفها المخاطر نتيجة كثرة عمليات الاختطاف والقتل التي تلاحق الصرافين، وعن التدابير التي اتخذها لحماية نفسه وأمواله يضيف: "اضطررت لحمل السلاح بشكل دائم للتصدي لأي هجوم محتمل، كما وضعت كاميرا تصوير داخل المكتب، مع مراعاة عدم التنقل وحيداً بين منزلي ومكان عملي".

هواجس أحمد الأسود تعبر عن غالبية الصرافين وعائلاتهم، فأم علاء من معرة النعمان تتحدث عن محاولة خطف زوجها الذي يعمل في صياغة الذهب وتصريف العملات، "حياته مهددة بشكل دائم، وقد حاول مجهولون منذ أيام اختطافه أثناء عودته إلى المنزل مساء، ولكنه استطاع أن يبتعد بسيارته، ثم أطلق النار عليهم، وتمكن من الفرار". تؤكد أم علاء بأن حياة زوجها مهددة بشكل دائم بسبب خطورة مهنته، مع غياب أي جهة يمكن أن تحميه مع زملائه في العمل.

على أن ما نجا منه أبو علاء وقع فيه عدة صرافين، فكانت نهايات بعضهم مأساوية كما حدث مع الصراف محمد المنديل وقريبه في مدينة سرمدا، حين أطلقت النار عليهما عصابة ملثمين، مما أدى إلى مقتل أحدهما وإصابة الآخر بجروح، إضافة إلى سرقة ما بحوزتهما من أموال ومصاغ ذهبي.

وأمام خطورة هذا الواقع وتكرر الحوادث المؤلمة، قام الصرافون والصاغة في عدد من قرى وبلدات ريفي إدلب وحلب بتنفيذ إضرابين متتاليين خلال شهري آذار ونيسان من العام الجاري، تحت شعار "إضراب عام حتى إسقاط اللثام"، مطالبين الفصائل العسكرية بالقيام بمسؤولياتها في ضبط الوضع الأمني، داعين أيضاً إلى وقف ظاهرة اللثام، باعتبار من يقومون بعمليات الخطف والسرقة والقتل يرتدون اللثام لمنع التعرف على شخصياتهم.