منبج ودور العشائر في تحديد مصيرها.. عودة لواجهة الأحداث من جديد

كخلية نحل يعمل مجموعة من الضباط التابعين للتحالف الدولي المتواجدين في مدينة منبج، من أجل تمكين سيطرتهم وسيطرة حليفتهم «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» على المدينة، ذات الغالبية العربية، والتي أصبحت محور الأحداث خلال الأسابيع الماضية.

أربعة ضباط يُرافقهم أكثر من 12 عنصراً من القوات الأمريكية الخاصة، ومجموعة مرافقة من قوات قسد، تجولت في منبج وريفها، وجْهتها منازل شيوخ العشائر لحشد تأثير العشائر لصالحها، في ظل الحديث عن معركة مرتقبة للجيش التركي والجيش الحر باتجاه المدينة.

الجولات المكثفة لضباط التحالف، وسابقاً مسؤولين أمريكيين في منبج وريفها، لم تأت بثمارها حتى اللحظة، سوى بوعود فضفاضة من قبل شيوخ العشائر، والتي بات معظم أبنائها منظمين لتكتلات الجيش الحر في مناطق شمال حلب، وتحديداً جرابلس وريفها، في المنطقة التي باتت تعرف بمنطقة درع الفرات.

شيوخ العشائر ومراكز ثقلها يتركز في جنوب منبج وشرقها حيث تتمركز عشائر البوبنا والدمالخة، وشمالها البوسلطان والبني عضيد وبني سيعد، وذات الأسماء في المدينة التي يبقى للعشائر دور محوري كبير في تحديد مصيرها ضمن أي عملية انتقال للسلطة، فمازالت العشيرة هي الإدارة المحلية لكل منطقة تتواجد فيها، في ظل غياب سلطة القانون والدولة.

 ومنذ سيطرة قوات قسد على المدينة، بدعم من التحالف الدولي، بدا للعشائر الدور الأكبر في مواجهة المحاولات المستمرة لقسد، ومن خلفها حزب الاتحاد الديمقراطي، الرامية للسيطرة التامة على مفاصل المدينة ومحاولة عزلها عن محيطها العربي، حيث عملت على ضمها لإقليم الفرات التابع للإدارة الذاتية كجزء من الفيدرالية المزعومة شمال شرق سوريا.

يتمحور دور العشائر في هذا الصدد من خلال فرض واقع مغاير لم تخطط له قسد في المنطقة، فعملت على تشكيل فصائل تابعة لها منخرطة ضمن قوات قسد، يمكن القول إنها تمكنت من خلالها من فرض مطالبها، كذلك منعت العشائر محاولات قسد في استدراج الفتيات لمعسكرات التجنيد عبر شعارات الديمقراطية وغيرها، وعملت على ضبط هذا الأمر كمجتمع محافظ. كما عملت العشائر، بشكل سري، على تنظيم نفسها ككيانات قادرة على زعزعة حكم قسد، بدليل المظاهرات الحاشدة والإضراب الكبير في المدينة، ودعوات لمحاسبة القتَلة، والمطالبة بطرد قسد من المدينة وتسليم إدارتها للعرب والعشائر، بعد مقتل شابين تحت التعذيب على يد استخبارات قسد في بداية العام الحالي.

انتفاضة العشائر بدأت مع تصرفات عديدة كان أبرزها التجنيد الإجباري، واغتيال شبان بعد اعتقالهم، ومحاولة طمس الوجه العربي للمدينة، من خلال تسلّم معظم رجالات حزب الاتحاد الديمقراطي كافة مفاصل السيطرة على المدينة.

نقطة التحول في تاريخ مدينة منبج وعشائرها منذ بداية الثورة السورية وحتى اللحظة كانت المظاهرات السلمية ضد القوى التي سيطرت عليها، فمع سيطرة فصائل الجيش الحر تظاهر أهالي المدينة من أجل إفراغ المدارس من المقرات التابعة للفصائل، وتمكنوا حينها من افتتاح عدة مدارس لأجل تعليم أبنائهم.

وبانتقال منبج لسيطرة تنظيم داعش برز التحدي الأكبر لأهالي المدينة، إلا أنهم واجهوا موسوعة الرعب والخوف التي صدّرها التنظيم للعالم أجمع، بمظاهرات طيارة في المدينة رفضاً لحالات القتل والإعدام التعسفي بحق المدنيين تحت تهم وحجج كثيرة، واستمرت المظاهرات بعد سيطرة قسد على منبج بعد «حرب صورية» كما يصفها أهالي المدينة، فالمدينة التي تَناوب في السيطرة عليها الجيش الحر وتنظيم داعش ومؤخراً قوات قسد، كانت ولازالت، مستمرة بعمليات التظاهر السلمي في انتظار مستقبل لا يبدو واضحاً.

وفي العودة لدور العشائر في الحراك الحاصل في مدينة منبج منذ بداية الثورة السورية، فيمكن توصيفه بأنه دور متذبذب، فمعظم قادة العشائر سابقاً كانوا يحظون بدعم من قبل نظام الأسد، أو بعبارة أصح يخضعون لسلطته عبر ميزات يعطيها لهم، خاصة التواجد في مجلس الشعب وبعض المزايا الأخرى.

ومع بداية الثورة اتخذ بعض شيوخ العشائر فيها دور الشبيحة ودور المتفرج في قمع المظاهرات، إلا أن سرعة تحرر المدينة من سيطرة نظام الأسد، وانضمام آلاف المدنيين للمظاهرات، أجبرت العديد من قادة العشائر على الهروب لمدينة حلب وغيرها من المناطق.

المشاركة الكبيرة لأبناء العشائر في الثورة ومن ثم انخراطهم في صفوف فصائل الجيش الحر، أحدث انقلاباً كبيراً على نظام العشيرة، فتبدّل شيوخ العشائر ووجهاؤها بآخرين مؤيدين للثورة، قدّموا في سبيلها الكثير من الدعم، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً. فمع حلول عام 2014 وسيطرة تنظيم داعش على المدينة تبدّل وجه العشيرة مرة أخرى، فتوجه أبناؤها لتركيا وللشمال.

تنظيم الدولة الإسلامية، وضمن استراتيجية إعلامية ذات بروبوغندا دينية، وضمن سياسة الترغيب بالسلطة والجاه، استمال العديد من شيوخ العشائر في منبج وريفها، إلا أن قرارات التنظيم وتصرفاته أبعدت العشائر عن أي دور لدعم التنظيم في المنطقة، واقتصرت مشاركة شيوخ العشائر والوجهاء على اجتماعات دورية، أي كنوع من التّقية من بطش التنظيم وخوفاً من عقابه.

اليوم؛ يمكن القول إن قسد لا تملك أي حاضنة شعبية في مدينة منبج، فالمجتمع المنبجي المؤيد لدخول الجيش الحر من جهة، وبعض شيوخ العشائر المؤيدين لعودة نظام الأسد إليها من جهة أخرى، يتفقان على رفض وجود قسد في منبج، إلا أن المستقبل الذي يحيط في مدينتهم يُثير قلق الجميع.