مقابر إدلب عبء النازحين إليها.. مقابر ترفض دفن الغرباء لحثهم على دفع ثمن القبور

بعدسة الكاتبة

لطالما فكر سوريون بقبورهم وهم على قيد الحياة، ولعل ذلك ما يدفع إلى إيجاد المقبرة التي تظهر كشكل من أشكال اجتماع تفكير الأفراد بالقبور، التي يزرع حولها وتزار في الأعياد، لكن منع النازحين من دفن موتاهم في مقابر إدلب، هو ما جعلهم يجدون لأنفسهم مساحات خاصة بقبور موتاهم.

لم تعد القبور في إدلب وشمال غرب سوريا مجانية، لذلك صار النازحون يتكبدون عناء البحث عن مساحة يدفنون بها موتاهم، سواء بدفع ثمنها أو إقناع أصحابها، ونادراً ما يحدث الاحتمال الأخير.

"وكأن حزني على والدي لم يكن يكفي، لتأتي رسوم دفن الموتى في مقابر المناطق التي نزحنا إليها، وتقسم ظهري المثقل أساساً" هكذا عبر النازح دريد الراعي (٣٠عاماً) عن حزنه على والده الذي كان يملك مئات الدونمات من الأراضي في منطقته التي هجّر منها مرغماً على وقع العمليات العسكرية الأخيرة على ريف إدلب الجنوبي، ولم يحظَ بمجرد قبر عابر يضمن كرامة جسده الميت.

يقول دريد وهو من خان شيخون نازح إلى مخيمات أطمة الحدودية، إنه جهد لتأمين مساحة قبر لوالده المتوفى في مقابر القرية التي رفضت دفن "الغرباء"حسب ما ينقل عنهم، فما كان منه إلا أن لجأ إلى دفن والده في إحدى السفوح الجبلية النائية، حيث لا مبالغ مالية ولا معارضة من قبل الأهالي.

الموت في إدلب صار عبئاً جديداً يضاف إلى أعباء النازحين وسكان المخيمات شمال غرب سوريا، الذين ضاقت بهم السبل وضاقت بهم مخيماتهم المنسية، ليأتي عبء دفن موتاهم الذي لم يلقَ حلاً جذرياً من المعنيين الذين تنصلوا من المسؤولية حتى اللحظة.

 حفار مقبرة مدينة الدانا أبو أحمد (٤٠عاماً) يقول لـعين المدينة، إن بعض الجمعيات الخيرية تتكفل بمساعدة الفقراء فيما يخص تأمين مكان القبر، كجمعية الأوقاف بمدينة الدانا التي تتكفل بتغطية كافة نفقات الدفن التي قد تصل إلى مبلغ ١٢٥ دولار أمريكي، من خلال التبرعات التي يتم جمعها من أعيان المدينة والتجار والوجهاء والميسورين.

 ويؤكد أن مقبرة الدانا كغيرها من المقابر التي تم توسيعها بشكل كبير بعد زيادة وافديها الأموات من النازحين والمقيمين، إذ تستقبل في اليوم الواحد خمس حالات وفاة، بعضها جراء الإصابة بفيروس كورونا.

 وعن عملية التوسع يشرح أنه تم شراء أراضٍ جديدة حول المقابر الأساسية من أصحابها الحقيقيين من التبرعات التي تصل المجلس المحلي ولجنة الأوقاف لمنح مساحة جديدة تتسع لجميع الموتى.

"استقبال" مقابر الدانا للموتى بغض النظر عن مناطق سكناهم الأساسية، لا ينطبق على السواد الأعظم من المدن شمال غرب سوريا، فالكثير طالبوا برفع أسعار مساحات القبور الضيقة فقط للنازحين.

 حارس مقبرة قرية دير حسان الحدودية مناف عوض (٤٣عاماً)، وبينما يسقي النباتات على بعض القبور، يخبرنا أنه غير راضٍ عن تصرفات أهالي القرية الذين عينوا "مسؤولاً للمقبرة"، بغية عدم السماح للنازحين بدفن موتاهم، إلا بعد دفع مبلغ محدد، بحجة أن المقبرة خاصة بأهالي القرية الذين اشتروها في السابق لهذا الغرض، وإن تم الدفن فيها بشكل عشوائي ستكتظ بالقبور، وسوف يتوجب على أهالي القرية شراء مساحات جديدة لتخصيصها كمقبرة من جديد.

من جهته يرى إمام مسجد الفتح في الدانا محمد الصوراني (٤٥ عاماً) أنه "لا يحق لمؤمن منع متوفى من أموات المسلمين من الدفن في مقابرهم، وخاصة في ظل ما يواجهه المسلمون من محن وابتلاءات، ويستشهد على ذلك بقول الرسول (ص) "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد"، بل ويذهب إلى وجوب معاملة النازح باهتمام ومساندة.

 ويحمّل الصوراني المعنيين وكافة الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني، مسؤولية مد يد العون للنازحين بغية مساعدتهم في شراء مساحات أراضي بمناطق متفرقة شمال غرب سوريا، تساعدهم على دفن موتاهم دون عقبات أو صعوبات أو مصاريف إضافية "لا يقدرون على حملها، وهم المحتارون في تأمين قوت أبنائهم" وفق تعبيره.

 مشكلات الدفن المتعددة التي يواجهها النازحون في المناطق التي نزحوا إليها دفع بعضهم لإيجاد حل حاسم للمشكلة، حين عمد الميسورون منهم لشراء مساحة أرض خاصة بهم تضم أجساد موتاهم، فصار يشترك النازحون في كل من كفر لوسين، مخيمات الفرقان، مشهد روحين، التوحيد، التضامن، الجولان، السلام، النصر، والكثير من المخيمات الأخرى في دفن موتاهم في المقبرة الخاصة التي أنشأوها بين بلدتي دير حسان وكفر لوسين.