معركة الرشديّة

عدسة أحمد | خاص عين المدينة

على أصوات غارات النظام نستيقظ، وعلى وقع القذائف ننام؛ هكذا وصف أحد المدنيّين في الأحياء المحرّرة حياتهم أثناء العمليات العسكرية في دير الزور، وآخرها عملية الرشديّة.

يقول أبو محمد: شاع في الفترة الأخيرة أن هناك عملاً عسكريّاً في المدينة، وبدأنا نترقّب ساعة الصفر. وكلما سمعت صوت اشتباكٍ أتبادل مع جيراني الآراء.. ها قد بدأت العملية.. وآخر يقول لا.. لا، إنه مجرد اشتباكٍ بسيط.. والثالث يقول إنه اقتحامٌ من قبل قوات الأسد ربما، فقد سمع أن النظام يحشد لاقتحام المدينة. وترانا كلما مرّ أحد عناصر الجيش الحرّ أو الإعلاميين نستوقفه متسائلين: أين هذا الاشتباك؟؟ هل هناك تقدمٌ للشباب..؟؟ والطريف في الموضوع أننا نصبح خبراء عسكريين في هذه الأوقات، فهذا يضع خطةً للاقتحام، وذاك يعدّل عليها.. ويردّ آخر بنسف الخطة بالكامل.

 

طيران الميغ

عندما يشنّ الجيش الحرّ هجوماً يصاب النظام بحالةٍ هستيرية، فيعمد إلى قصف المدينة بشكلٍ عشوائي. وسلاحه الأقوى هو طائرات الميغ، التي قد تقوم وقتها بأكثر من عشرين غارة، عقوبةً للأهالي بشكلٍ أو بآخر، ولذلك تجد الشوارع خالية من المارّة. يقول الحاج أبو خالد:
اعتدنا القصف. وأصبحت لدينا خبرةٌ منذ اللحظة الأولى لإطلاق القذيفة من الجبل أين ستسقط، لكن الطيران لا حلّ له، فصاروخ الطائرة قد يدمّر مجمّعاً سكنيّاً بالكامل. تدفعني لهفتي للحديث إلى الجلوس أمام باب منزلي، وشيئاً فشيئاً يجتمع الجيران فنجلس لنحتسي الشاي. لكننا نذوب من أماكننا حين نسمع صوت الطائرة، ويعود الجميع إلى منزله. وبعد انتهاء الغارة تسمع أصوات الدعاء على النظام وعلى الطيار، وتبدأ التساؤلات: أين أغارت الطائرة؟

 

الإعلام والتهويل

الإعلاميـون في المدينة كالجيش الحرّ، فهم في حالة استنفارٍ وتأهّبٍ دائمين أثنــــــــاء العمليــــــات العســــكرية. فالبعض يعتلي أسطح المباني، والبعض الآخر ـ ممن لديه علاقاتٌ قويّةٌ مع الكتائب التي تنفذ العمليات ـ يكون على الخطّ الأول يوثق الاشتباكات. يقول عمر، وهو أحد الإعلاميين في المدينة: إن الإعلامي أول من يعلم بأخبار الاقتحامات والتقدّم والتراجع، بحكم مجال العمل. ويضيف أن بعض الإعلاميين تأخذه الحميّة فيبالغ في نقل الخبر، ففي عملية حي الرشديّة السابقة نقل بعض الإعلاميين أخباراً عن استيلاء المجاهدين على المشفى العسكري وأن الاشتباكات صارت تدور حول فرع الأمن العسكري، مع أن المجاهدين كانوا لا يزالون يقاتلون في حي الرشديّة نفسه. ولا ينفي عمر أن هذه الأخبار كانت خاطئة، ولكنه يرجعها إلى قلة خبرة الشباب وحماستهم. ويضيف مازحاً: لو تُرك الإعلام لبعض الإعلاميين لأسقطوا النظام بيومٍ واحد.

 

المترقّبون بقلق

هذا حال الأهالي في حيّي الجورة والقصور، الذين سبّبت لهم عمليّة حيّ الرشدية المتاخم القلق من بطش النظام، كما تصف أم أحمد: من المعروف أن النظام يقصف الأحياء التي يسيطر عليها الجيش الحرّ، وهنا يوجد أكثر من نصف مليون نسمة، وقذيفةٌ واحدةٌ تكفي لإحداث مجرزة. كما أننا نحن نخاف أن يكون تقدّم المجاهدين غير مدروس، فقد يتقدمون لبضعة أيامٍ ويتراجعون. وكلنا يذكر مجزرة العام الماضي.
أما محمد، وهو شابٌّ من أهالي حيّ القصور، فيقول إنه كان يتابع الحدث بحماسٍ شديد، فهو يتمنى دخول المقاتلين إلى الحيّ لتحريره من قوّات النظام التي تقوم بمضايقة الأهالي واستفزازهم. ويضيف: في أيام العمليّة كان شبّيحة الدفاع الوطني مذعورين، وترى ذلك في كل تصرفاتهم. ففي أول أيام العيد، عندما كانت الاشتباكات على أشدّها وأشيع بأن المجاهدين سيسيطرون على الحيّ، دخل أربعةٌ من قوات الدفاع الوطني محلّ أحد الحلاقين وبدأوا يقولون بصوتٍ مرتفعٍ، كي يسمع الموجودون: نحن مدنيّون ولم يكن لدينا عمل، فانتسبنا إلى الدفاع الوطني من أجل المال. ولكننا لم نحمل سلاحاً، ولم نقم بإيذاء أحد. وبعد أن أنهوا حديثهم أجابهم أحد الموجودين: "أنا مصدّقكم، بس اسألوا الجيش الحرّ".