مستنقع المخدرات في درعا .. الأقران والمغامرون الصغار يشاركون في انتشارها

شحنة مخدرات تابعة لـ«حزب الله» في درعا

تعكس الظروف القاسية التي يعيشها الجنوب السوري أثرها السلبي على الفئات العمرية الفتية، ما يجعلها حاضنة لتعاطي المواد المخدرة والاتجار بها. إذ تبرز اليوم ظاهرة الفتيان المتعاطين الذين تتراوح أعمارهم بين 11 وحتى 20 عاماً.

تستغل عصابات الاتجار بالمخدرات -وهي ترتبط عادة بالميليشيات الإيرانية والسورية الموالية- تدهور الواقع الاقتصادي وتفاقم الفقر والبطالة في دفع وتحفيز نسبة كبيرة من اليافعين على تناول الحشيش وحبوب الكبتاغون للهروب من الواقع، وغالباً ما يقود التعاطي إلى نوع من العمل في تجارة تلك المواد يستهدف توفير موارد مالية لتأمين حاجة المتعاطي من المواد المخدرة، ما يجعل الأمور تدخل في حلقة مفرغة.

تأثير الأقران في ظل حياة بمنتهى الصعوبة

لا يستثني انتشار المواد المخدرة المدارس في درعا، ففي منطقة تعيش على الفوضى والفلتان الأمني والبطالة، تلعب الرفاقية وتأثير الأقران العامل الأكبر في غرق عشرات اليافعين في مستنقع الحشيش والحبوب المخدرة، إلى جانب أسباب أبعد تتعلق بالتفكك الأسري وسوء الأوضاع الاقتصادية الذي يضع الآباء في بحث دائم عن لقمة العيش وإهمالهم الأولاد.

بعد جهود كبيرة تمكنت نجاح وهي مديرة مدرسة إعدادية في بلدة صيدا في الريف الشرقي لدرعا، من ضبط مواد مخدرة بحوزة مجموعة من طلاب المدرسة معظمهم لا يتجاوز ال14 عاماً "بكميات لا يستهان بها" على حد تعبيرها، وتضمنت كميات من الحشيش والحبوب المخدرة الأخرى، وبعد استدراج الطلاب عن مصدر المواد اكتشفت أن الطلاب "يستطيعون شراء المخدرات دون أي عناء وبأسعار رخيصة. اعترف الطلاب بوجود محال عديدة تبيع تلك المواد ومنها أكشاك مخصصة لبيع التبغ".

وتتابع لعين المدينة بأن "هذه المواد منتشرة بكثرة، وتظهر على معظم الطلاب التي نجد هذه المواد معهم حالة من اليأس والعدوانية وحتى ذبول أو هزال في الجسم". وتعزو المعلمة انتشار مثل هذه المواد مع اليافعين في المدارس إلى حالة التفكك الأسري وانشغال الوالدين في الأعباء المعيشية، مشيرة إلى أن "متابعة الأولاد وعلاجهم من هذه المواد السامة أهم وأولى من تأمين لقمة العيش".

مغامرون صغار

من جهة أخرى تشكل فرصة تأمين الدخل السهل والسريع من عملية بيع المخدرات دافعاً إضافياً نحو لجوء قسم آخر من اليافعين المغامرين إلى التعاطي والبيع، خاصة مع الأرباح الهائلة التي تؤمنها هذه التجارة. وهنا يمكن ملاحظة دور واسع للميليشيات التابعة للنظام السوري في التحفيز وإمساك يد التجار الصغار نحو طريق الممنوعات.

مضر شاب عشريني من ريف درعا الغربي استطاع منذ شهر تقريباً الخروج من سوريا خوفاً على حياته بعد تورطه في الاتجار بالمواد المخدرة. كان مضر طالباً في جامعة دمشق ودفعته أكلاف الدراسة الجامعية الباهظة وتعرفه على شاب يعمل في صفوف الفرقة الرابعة إلى ممارسة تجارة المخدرات.

ويوضح مضر لعين المدينة أن هذه التجارة مكنته من جني أموال عن طريق بيع مواد مخدرة بمساعدة عنصر الفرقة الرابعة، الذي اتفق معه على ربط المتعاطين به.

يقول "نورس في الفرقة الرابعة كان يعطي المتعاطين رقمي. كنت أوافيهم إلى محيط الجامعة، أما المتعاطون الجدد فغالباً ما يحصلون على رقمي من القدامى. كنت أضطر إلى تغيير رقمي كل فترة تفادياً للمشاكل".

بعد أكثر من سنة من هذا العمل أصبح مضر مدمناً على هذه المواد، وتطور عمله في تجارة الممنوعات لينال عروضاً من عناصر في الفرقة الرابعة بالعمل في نقل المواد المخدرة خارج الحدود، وهو ما يوفر له أموالاً أكثر.

يتابع مضر: "حذرني أحد أصدقائي بعدم الذهاب خوفاً من توريطي بأمور أخرى، ما جعلني أفكر بجدية في الخروج من سوريا. وفعلاً استطعت مغادرة البلاد وأنا اليوم أعيش بعيداً عن هذه المواد التي دمرت حياتي وكانت تشعرني دوماً بالتشاؤم، وخوفاً من عناصر الفرقة الرابعة الذين يقتلون كل من يعمل معهم إذا أراد ترك العمل (وفق ما يشاع)".

وبحسب المعلومات التي قدمها مضر لعين المدينة، يصل سعر 100 غرام من مادة الحشيش إلى 100 ألف ليرة سورية بالجملة! ويباع بالتجزئة ب250 ألف ليرة. وإلى جانب الحشيش يتاجر اليافعون بمواد أخرى مثل الترامادول والكريستال التي تعتبر مواد شديدة الخطورة.

خطة ممهنجة

يمكن وضع خطة دفع اليافعين نحو مستنقع المخدرات ضمن سياق إيجاد موارد رئيسية لتغطية عمليات الميليشيات المقاتلة الموالية للنظام، بالموازاة مع الرغبة في إحداث جيل مستسلم للطموحات الإيرانية في الجنوب السوري، بحسب القيادي السابق في فصائل المعارضة منذر أبو عوض.

ويضيف أبو عوض لعين المدينة أن "إيران تستغل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والنفسية من كل الجوانب، ما يجعل هذا المجتمع فريسة سهلة للوقوع في فخ التعاطي، وتعتبر درعا أكثر أهمية بالنسبة لإيران وحزب الله لوجود جماعات متعددة تعارض الوجود الإيراني".

تنتشر مكابس حبوب الكبتاغون في محافظة درعا على الشريط الحدودي لسهولة تهريبها بحسب أبو عوض، وتعتبر منطقة اللجاة المحاذية لمحافظة السويداء المنطقة الحيوية التي تنتشر فيها المعامل، والتي يشرف عليها منير علي النعيم الملقب الحاج هاشم وهو لبناني الجنسية. ويوجد في بلدة نصيب الحدودية معمل لتصنيع الكبتاغون ويديره محمد المحاميد الذي يعد المسؤول الأول عن تجارة المخدرات في ريف درعا الشرقي، كما تتركز مصانع أخرى في منطقة خراب الشحم وبلدة نصيب غربي درعا.