يأبى الجولاني إلا أن يقدّم طموحه الشخصي ومصلحة فصيله –كتلة جبهة النصرة في هيئة تحرير الشام- على مصلحة الثورة وناسها في مناطق الشمال المحرّرة. ما فعله هناك، خلال الأيام الماضية وما قبلها، وما يبدو أنه مقدم عليه من محاولة ابتلاع إدلب وما حولها، يرقى إلى درجة اتخاذ هؤلاء الناس دروعاً بشرية.

يحاول الجولاني الخلاص من مأزق التصنيف بالإرهاب فيهرب إلى الأمام، محاولاً ابتلاع فصائل وهيئات مدنية وشرعية مختلفة، ليتدثر بأعدادهم ويخلط جماعته بهم، أملاً في فرض نموذج أشبه بـ«طالبان سورية» على المجتمع الدولي، بعد أن يفرضه كحكم أمر واقع على الأرض.

غير أن الأمور لا تسير على هذا السبيل، فدون ذلك قوى مدنية وعسكرية لن تستطيع كتلة من بضعة آلاف فرض إرادتها عليها، لا سيما وأن المجتمع الدولي يلوّح أن من سيشمله «تمدد» الجولاني سيلحق به التصنيف، لا العكس كما يأمل الأخير. فالانضواء ليس مغرياً، إذاً، فيما أذرع الخارج تطول في الداخل السوري وتطال، فضلاً عن أنه نتيجة للتغلّب، أي للقهر!

الحلّ المطلوب هو حلّ كتلة النصرة بالفعل، استكمالاً لفك ارتباطها بالقاعدة، ودخول عناصرها العاديين في باقي الفصائل إن شاءوا، أما المطلوبون بشكل شخصي بسبب ارتباطاتهم أو أفعالهم فيجب أن يتحملوا نتائج ذلك وحدهم، وبالطريقة التي يختارونها كما اختاروا مسارهم، لا أن «يتترّسوا» بأكبر كتلة للثورة ويراهنوا بها.

وما داموا يرفضون ذلك ويشهرون سلاحهم على من يطالب به فليس أمام جمهور الثورة إلا الوقوف في وجوههم مدنياً ورفع الصوت ضد هذه الشراكة الإجبارية والمقامرة السائرة نحو الهاوية.

وعلى حركة أحرار الشام أن تستعيد عافيتها بسرعة، وتستكمل خطوات العودة إلى «ثورة شعب» انطلقت منه ودعمها في الصدام الأخير، وأن تعمل مع فصائل الجيش الحر على تشكيل جيش موحد ينال القبول الدولي ويدق المسامير الباقية في نعش الأسد الذي لطالما مدّد عمره بالاتكاء على تفرّقنا من جهة، وعلى دعوى عدم وجود بديل يضمن عدم انهيار الدولة من جهة أخرى، وعلى تصنيفات الإرهاب التي يريد الجولاني تعميمها علينا، من جهة ثالثة.