جامع الوسيم في مخيم اليرموك-من إصدارات داعش

تزامناً مع الهزائم التي تلقتها داعش في مناطق سيطرتها السورية الأوسع تشهد الأحياء الخاضعة لها جنوب دمشق تطورات مُتسارعة تدل على انهيار متسارع في صفوفها يثير لدى السكان المدنيين مخاوف عديدة من مصيرٍ مجهول قد يُنتظرهم نتيجةً لاتفاقاتٍ سرّية قد تُعقد في وقتٍ قريبٍ.

تتسرب أنباء عن اتفاق عقده مقاتلون في كتائب الجيش الحر النازحون من الجزء الذي تسيطر عليه داعش في جنوب دمشق إلى بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم مع قوات النظام؛ يقضي بعودتهم حال إكمال عناصر تنظيم داعش خروجهم منه. وتأكد خروج قادة بالصف الثاني لداعش عبر طرق فتحها النظام مروراً بمناطق سيطرته إلى الريف الغربي لمحافظة درعا، حيث يسيطر التنظيم على منطقة واسعة هناك، وقع بعضهم في قبضة فصائل الجيش الحر بدرعا، مثل منفذ الإعدامات الشهير صلاح قطيش، وراتب طيارة أحد مؤسسي التنظيم في جنوب دمشق، ومسؤوله الإعلامي السابق. وإلى جانب فرار قادة من صفوفه يعاني التنظيم من عجز مالي ظهر في انقطاع الرواتب عن مقاتليه، منذ ستة أشهر تقريباً، كذلك بدت علامات تفكك تمثل بتمرد نحو 50 من مقاتليه، ورفضهم الأوامر باعتكافهم في منازلهم، وتخليهم عن الحصص والإعانات الغذائية التي ما يزال التنظيم يوزعها على المنتسبين إليه. ولكن، وبالرغم من مظاهر الضعف تلك، ما زالت داعش تفرض قوانينها الجائرة على السكان، بكل ما يتعلق بسلوكهم ومظهرهم. 

يقول الحاج خالد (اسم مستعار) من أهالي مخيم اليرموك «إن تجاهل داعش لهزائمها في الرقة ودير الزور، ومواصلة أسلوبها نفسه نحو الأهالي، إما أن يكون مكابرة وعناد فقط، أو يكون تحضيراََ لكارثة ستودي بالمنطقة». يرفض الحاج خالد الذي اقترب من (60) عاماً أن يغادر بيته، ويشرح بأن المعاناة التي عاشها في السنوات السابقة جعلته يصر على البقاء «بتنفس من ذاكرتي المليانة بأحداث المخيم الصعبة، ومتأكد أنه مستحيل حدا يصدق معاناتنا» ويتساءل «يا ترى معقول حدا يصدق أنه عايشين بدون دوا، وبدون مي وكهربا وأكل طبيعي من خمس سنين، أو يصدق أنه دفعنا ثمن كيلو الرز 13 ألف ليرة سوري؟» ويتذكر الحاج أيام الجوع التي عاشها وقت الحصار، ثم الرعب وقت دخول داعش إلى المخيم، لكنه ورغم كل ما مر به يجعل عودة النظام والفصائل الفلسطينية التابعة له النهاية الأسوأ للمخيم.

تمتد سيطرة داعش جنوب دمشق على حيي الحجر الأسود والعسالي، وأجزاء كبيرة من مخيمي التضامن واليرموك. ويبلغ، حسب تقديرات الأهالي، عدد السكان الخاضعين لسيطرة داعش (5500) نسمة، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين، يليهم النازحون من الجولان. ورغم الأغلبية التي يشكلها الفلسطينيون في هذه المنطقة إلا أنهم يبدون خشيتهم من الفصائل الفلسطينية الموالية للنظام، التي يرجَّح أنها ستكون ذراع سيطرته بعد داعش.

محاصرون داخل الحصار

إلى جانب السيطرة الأكبر لداعش على مخيم اليرموك، تسيطر قوات النظام والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة على مدخل المخيم باتجاه مدينة دمشق، وتسيطر هيئة تحرير الشام على جيب صغير لا يزيد على عدة شوارع غرب المخيم. ويفرض النظام، وتفرض داعش من جانبها، طوقاً محكماً على هذا الجيب الذي يقيم فيه طوعياً نحو (500) من السكان المدنيين.

أم عمر العجوز التي جاوزت (70) عاماً واحدة من قاطني جيب «تحرير الشام» في المخيم، ترفض رغم أمراضها المزمنة وندرة الدواء مغادرة بيتها، وكذلك تفعل أم محمد ربة المنزل التي تستعمل ما تلتقطه من حطب ومن علب بلاستيكية ومن حطام قابل للاحتراق في الطبخ، وفي تدفئة أطفالها الذين تعلمهم بنفسها. «من أكتر من سنة ما أكلنا خبز» تقول أم محمد، التي تعتمد على ما يتيسر من مواد غذائية من منطقة سيطرة داعش في إطعام أولادها. ومثلها مثل كثيرين في جيب «تحرير الشام» لا يبدون اهتماماً بمن سيسيطر في المرحلة القادمة، بشرط أن يدعوهم يعيشون بسلام.

قبل الثورة كان مخيم اليرموك واحداً من أكبر المخيمات الفلسطينية في سورية، وزاد عدد سكانه على (300) ألف نسمة، وخلال العام الأول للثورة كان قبلة للنازحين من المناطق الثائرة في دمشق وحمص وغيرها، قبل أن تقحمه القيادة العامة في الصراع الدائر، وتحوله إلى قاعدة انطلاق لمقاتليها باتجاه البؤر الثائرة جنوب دمشق، وإلى حين تحريره من قبل فصائل الجيش الحر مطلع العام 2013. ثم تعرض لحصار خانق قضى بسببه أكثر من (200) شخص، وامتد إلى حين سيطرة داعش مطلع العام 2016.