مخاوف متصاعدة في إدلب ..بعد هيمنة تحرير الشام

GETTY

مخاوف كبيرة يعيشها سُكان محافظة إدلب وما حولها ضمن منطقة خفض التصعيد منذ هيمنة "هيئة تحرير الشام" و"حكومة الإنقاذ" على هذه المنطقة، تبدأ من المخاوف الأمنية المتعلقة بالنظر إليها (كمنظمة إرهابية)، وتصفيتها المعارضين لها من المجال العام لصبغ المنطقة بصبغتها الإيديولوجية، وليس انتهاء بالمخاوف من احتكار العمل المنظماتي وقطع التمويل بحجة سيطرتها على المنطقة.

يعيش الشمال السوري اليوم أمام احتمالات متعددة، منها ما بدأ منذ فترة بقطع الدعم عن المنطقة من منظمات دولية عدة ثم مغادرتها من ناشطين فاعلين فيها، وتوقف عمل مؤسسات تابعة للحكومة المؤقتة بدأتها مديريات الصحة التابعة لها في حلب وإدلب وحماة في بيانات منفصلة عن "بدء العمل في هذه المديريَّات بشكل تطوعي، ولا يترتب عليها أيّ تبعات أو التزامات ماليَّة تجاه أيّ موظف أو منشأة طبيّة بسبب إيقاف مشروع دعم المديريَّات"، ولا يغيب التخوف من اتخاذ روسيا من "الهيئة" ذريعة لشن هجوم ينتهي بسيطرة النظام والميليشيات المقاتلة إلى جانبه على المنطقة.

الجو المشحون بالاحتمالات والتوترات جاء بعد سيطرة هيئة تحرير الشام بفصائلها العسكرية أو بظلها المدني (حكومة الإنقاذ) على ريف حلب الغربي، بعد الإجهاز على "حركة نور الدين الزنكي" والسيطرة على مناطق سيطرتها (دارة عزة، عنجارة، خان العسل، عويجل، كفرناها، حور، معارة الأرتيق، بابيص، قبتان الجبل، كفر داعل والقرى والبلدات التابعة لها)، ثم توقيع اتفاق مع "الجبهة الوطنية للتحرير" ممثلة "بحركة أحرار الشام" وفصيل "صقور الشام" يوم الخميس (10 كانون الثاني) جنوبي إدلب (بلدة الهبيط ومدينتني معرة النعمان وأريحا والقرى التابعة لهما)، سبقها امتداد سيطرة الهيئة عبر "إنقاذها" إلى مناطق حركة أحرار الشام في جبل شحشبو في ريف حماه، مع كامل قرى سهل الغاب التابعة لناحيتي قلعة المضيق والزيارة وتبلغ أكثر من 50 قرية وبلدة.

الخدمات

اتخذت حكومة الإنقاذ إجراءات عدة وأصدرت قرارات جديدة تستهدف قطاعات خدمية واسعة، كان أهمها ما يخصّ تراخيص "كافة السيَّارات المدنيَّة والعسكريَّة، صالات النت، المحال التجاريَّة، المخابز الخاصة، المعاهد الشرعيَّة والتعليميَّة الخاصّة، آبار المياه الخاصّة التي حفرت بعد 2011"، بالإضافة إلى إلحاق المخابز الخيرية بالحكومة، وإعادة تأهيل المجالس المحلّية وانتخابها من جديد، وتأهيل أئمة المساجد، والإشراف على أراضي الوقف، وإيقاف العملية الامتحانيَّة في الجامعات الخاصة غير المرخصة لدى مجلس التعليم العالي التابع لها بإدلب (الجامعة الدولية للإنقاذ، جامعة الريان العالمية، جامعة آرام للعلوم، الجامعة السورية الطبية، وجامعة شمس القلوب)، اعتبارًا من تاريخه (12 كانون الثاني) "وتمنح الجامعات المذكورة مدة شهر ريثما يتم تسويَّة وضعها وتستكمل إجراءات الترخيص أصولًا"، كما جاء في قرار الحكومة.

عملت الإنقاذ على تنفيذ بعض هذه القرارات منذ وقت سابق، ومنها ترخيص السيَّارات بهدف "ضبط أمن المنطقة للحدِّ من حالات الخطف والسرقة"، كما يشرح جمال الشحود مستشار رئيس حكومة الإنقاذ لعين المدينة، الذي أحال أغلب القرارات إلى خلفية خدمية أو إدارية تخص توزيع الخدمات والالتزام بقرارات صارمة وتوحيد الأسعار، "طلب التوثيق عبر تراخيص ليس من أجل ابتزاز الأهالي بل من أجل الالتزام، وقرار مجلس التعليم العالي لتكون كافة الجامعات تتجه بذات الخطة، فهناك جامعات خاصّة غير ملتزمة بمعايير القبول أو بجدول علامات، وإن أغلقت هذه الجامعات فلا يُوجد ضمانات للطلاب، أمّا ترخيص المعاهد فموجود منذ أربعة أعوام، وتراخيص المجالس المحليَّة شيء طبيعي لتكون المجالس فعّالة ونشطة وباختيار أهل المنطقة". 

وأضاف الشحود: "نحن نريد من جميع الكوادر الموجودة على الأرض أن تشاركنا في العمل، إن كان هناك من يرفض العمل معنا أو يُعطينا رؤيته أو يشارك معنا، وهو مصرّ على أن يبقى يعمل مع منظّمة ما، أو جهة غير معروفة لأجل كسب مادي أو بسبب غياب رقيب، فلا حاجة لنا به وبرأيه".

سليمان أبو ياسين ناشط إعلامي ترك ريف حلب الغربي مؤخراً ليعيش في عفرين بسبب ملاحقته من الهيئة، رأى أنَّ سيطرة حكومة الإنقاذ "التي يُعرف بأنّها ذراع تنظيم القاعدة المدني بالمنطقة، من المستحيل أن تنجح، فالمنطقة ستتعرّض لأزمة خدمات مع مرور الوقت، وانعدام الدعم الذي إن تقدَّم سيصبُّ بيد تحرير الشام". وتابع أبو ياسين: "جبهة النصرة منذ اليوم الأول لدخولها سوريا كانت على موعد مع تصفيات رؤوس المعارضين لها، لذلك فإنَّ إدلب ستخلو من كل معارض للجولاني، إما عن طريق الخطف أو الاعتقال أو التصفية وهذا شيء ملموس على الأرض منذ أشهر، فالنصرة حالها كحال النظام المستبد لا تحتمل وجود أيّ منتقد لسياستها بنفس التنظيم، فما بالك بوجود معارضين لها من خارجه".

ومن معرة النعمان جنوبي إدلب، نقل ناشط لعين المدينة الجو الذي تعيشه المدينة، بأن "معظم الأهالي في حالة توتر لكنَّهم باتوا تحت أمر واقع، فتحرير الشام والإنقاذ غير مُرحّب بهم؛ الأمور ما زالت طبيعيَّةً إلى الآن كون الجبهة الوطنية للتحرير موجودة، وجميع المؤسسات الثوريَّة قائمة مع رفض الفعاليَّات الثوريَّة إقامة مقر للهيئة داخل المدينة، لكن هناك تخوُّف من عدوان أسدي - روسي، فالمنطقة مقدمة على شيء ما يزال مجهولًا" بحسب ما تحدث الناشط. وشرح صديقه بأن الأمور ما زالت غامضة منذ إبرام الاتفاق، لم يظهر للعيان سوى إزالة الحواجز التي كانت للجبهة الوطنيّة، لكن "معظم المدنيين لا يرغبون بحكم العسكر، وباتوا اليوم يُرحّبون بمن يُقدِّم لهم خدمات، ويساعدهم بمعيشتهم، وبمن لا يضغط عليهم ويحدُّ من حرّيّتهم".

أما سامر السليمان (ناشط سياسي من مهجّري شمالي حمص ويقطن في غربي حلب)، فرأى أنَّ تحرير الشام "رغم مساوئها إلَّا أنّها أفضل الموجود، فلا يُوجد البديل الحقيقي لتحرير الشام أو حكومتها، ففصائل المعارضة والحكومة المؤقتة لم تستطيعا ملء الفراغ السياسي في المنطقة، فالجميع مرهون بقرارات خارجيّة وتوجهات دوليّة"، ويشرح أنّه -ومن خلال تجربته الشخصيّة منذ وصوله للشمال قبل ثمانية أشهر، وتنقله بين مدن إدلب وسلقين وعفرين وريف حماة وأخيرًا الأتارب- فإنَّ مدينة إدلب التي تسيطر عليها الهيئة أفضل مكان للمعيشة بكلّ المناطق  المحرّرة.

يعقد الناشط مقارنة بين مدينتي إدلب والأتارب من حيث الأسعار فيقول "على سبيل المثال لا يوجد مياه شرب في الأتارب سوى بالصهاريج، أمَّا في إدلب فمياه الشرب تأتي كلّ أسبوع مرّة بشكل كافٍ؛ والكهرباء في إدلب اشتراك 2 أمبير لـسبع ساعات بـ 5000 ليرة سورية، بينما في الأتارب الأمبير الواحد لثماني ساعات بـ 6000 ليرة سوريَّة".

المخاوف الأمنية

بعيداً عن براغماتية الناشط السياسي سامر، يعيش أهالي المنطقة رعباً حقيقياً من أن يتم اتخاذ سيطرة تحرير الشام على كامل منطقة خفض التصعيد حجةً لاستهداف المدنيين، لكن "المنطقة خاضعة للتفاهمات الروسيَّة - التركيَّة، والتي يبدو فيها سعي تركي لتجنيب المنطقة هذا القصف من خلال إظهار المنطقة بأنَّها ما تزال خارج سيطرة الهيئة عبر التحاق أكثر من 26 فصيلًا من ريفي حلب الغربي وإدلب الشمالي بصفوف فيلق الشام المدعوم تركياً، وتصب في هذا الجانب تصريحات الجولاني بأنَّ المنطقة محكومة من قبل مجالس محليَّة نخبوية".

هكذا يطمن سامر السليمان نفسه في حديثه للمجلة، ويؤيد تحليله بأنه لا يوجد انتشار واضح لتحرير الشام في مناطقها الجديدة، أما المؤسسات المدنيَّة فعلى حالها باستثناء تشكيل مجالس إدارة مدنيَّة جديدة، "لكن من المؤكد أنّ تحرير الشام هدفت من السيطرة على هذه المناطق توحيد الخطاب السياسي بما يخدم مصالح بقائها من خلال حكومة الإنقاذ التي تُشكّل الذراع السياسي والمدني لها، ومن المتوقع أن تشهد تغييرات في بنيتها قريبًا" يختم الشاب حديثه بتلميح انتشر أخيراً إلى "تعديلات وزارية" في الإنقاذ تستهدف منها ضم كوادر جديدة.

على النقيض من ذلك فقد أفاد إبراهيم العلبي (صحفي وكاتب سوري) لعين المدينة بأنَّ المشهد أصبح مرعبًا، "فحكومة الإنقاذ ذراع تنفيذيّة رسميّة لهيئة تحرير الشام، وهذا يستتبع تصوير المنطقة بوصفها خاضعة لسيطرة تنظيمات مصنفة على (لوائح الإرهاب)، وليست خاضعة لسيطرة فصائل معارضة ولا حتى فصائل متمرّدة، فالوضع هناك كان معقدًا بالفعل، والآن أصبح أكثر تعقيدًا" ويلخص في نهاية حديثه بأنه "لا يُمكن توقّع ما ستؤول إليه الأمور وقد أصبحت رهن المفاجآت".جمال الشحود. مستشار رئيس حكومة الانقاذ​

أما مستشار رئيس حكومة الإنقاذ جمال الشحود فيجيب على تلك المخاوف بأن وجود الإنقاذ ليس جديدًا وهي ليست جهة عسكرية ليتم استهدافها، أما الهيئة فهي موجودة منذ أكثر من أربع سنوات وهو ليس مخولاً بالرد على تساؤلات تخص مطاردة أو طرد معارضيها أو اغتيالهم، ويرى أنه لا حاجة لروسيا والنظام إلى حجة عندما ينوون استهداف أي منطقة، ويستشهد بما حدث في الغوطة ودرعا وريفي حمص وحماة، أما بخصوص عمل الناشطين والمنظمات ومؤسسات الحكومة المؤقتة فيقول "نحن لم نتدخل بأيّ مشروع موجود، نحن زملاء وثوار ويهمنا مصلحة البلد، على العكس قلنا للقائمين عليها نحن على استعداد لتأمين كل احتياجاتهم، والوقوف أمام أي شيء يعترضهم، أما إذا كانت المنظمات تريد حجةً، أو تريد أن تفرض على المنطقة أي واقع، فعلى الثورة السلام".

 

 

جمال الشحود مستشار رئيس حكومة الانقاذ