محاولة النظام وحلفائه التقدّم في الريف الغربي-جزيرة.. إيران تتلاعب بالميليشيات المحلية وقسد تُضحّي بالمدنيين

متداولة لقوات النظام

في صباح التاسع والعشرين من شهر نيسان الفائت، تقدّمت مليشيات تابعة لنظام الأسد وأخرى تتبع لإيران انطلاقاً من قرية الحسينية وفق محورين باتجاه الغرب: المحور الأول عبر الطريق العام المُحاذي للنهر، والمحور الثاني التفافاً عبر أطراف بادية الجزيرة، لتسيطر على قرية الجيعة، وتلتقي القوتان في قرية الجنينة قبل أن تخوض معركة عنيفة في قرية العليان ضد «قوات سوريا الديمقراطية» في محاولة الميليشيات التقدم باتجاه قرية الحصان. وشاركت مدفعية جيش النظام بإسناد الميليشيات من مواقع لها في الضفة اليمنى لنهر الفرات.

بالتزامن مع ذلك، هربت المجموعات الكردية وبعض العناصر العرب في صفوف قسد وبقي معظم المقاتلين من أبناء المنطقة، إضافة لبعض المدنيين الذين حملوا السلاح وشاغَلوا المليشيات المُتقدمة حتى وصلت التعزيزات من حقل كونيكو وجديد عكيدات وخشام والبصيرة، لتتمكن «قسد» في النهاية من دحر الميليشيات، بتغطية من طيران التحالف، إلى نقطة البداية في قرية الحسينية، وتعود خارطة السيطرة إلى ما كانت عليه قبل الهجوم.

الغريب أن ميليشيات النظام أزالت السواتر الترابية قبل يوم من الهجوم، ونزعت الألغام على مرأى عناصر قسد الذين طمأنوا المدنيين بوجود تفاهم أميركي-روسي لا يُمكن تجاوزه. وقد يكون هذا الاعتقاد صائباً من حيث النتيجة، إذ تدخّل التحالف بقيادة أميركا وأعاد الأمور لنصابها، وصمتت روسيا عما جرى. لكن هروب العناصر الكردية، والتي هي بالغالب عناصر قيادية في المنطقة، تاركين بضعة مقاتلين من أبناء المنطقة بسلاح خفيف يُواجهون ميليشيات مدججة بعتاد ثقيل، يثير تساؤلات عن مدى جدّية منظومة قسد في حماية ورعاية المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها.

وما يثير القلق أكثر هو حجم المتعاونين مع النظام وميليشياته في تلك المنطقة، فالشهادات الواردة من هناك تتقاطع حول عشرات الأسماء الدّاعية للمصالحة مع النظام، والتي تقود خلايا أمنية في المنطقة. وتجاوز الأمر ليُشكّل بعض الأعيان مجموعات مقاتلة انقلبت على قسد والمدنيين بالتزامن مع الهجوم، منهم مختار الجيعة عايش العيسى، وصبحي الحنان رئيس اتحاد الفلاحين في دير الزور، ومجموعة أكرم السلطان وإخوته، والأهم من ذلك كان انقلاب عناصر عرب تابعين لقسد، كل هؤلاء كانوا متواجدين في مناطق سيطرة قسد وتحت أنظار مخابراتها وسهّلوا دخول ميليشيات النظام.

على الجانب الآخر كيف أقدمت ميليشيات النظام على هذا الهجوم طالما أنه خارج التفاهم الأميركي-الروسي؟

على ما يبدو أن التفاهم الأمريكي الروسي لم يكن اتفاقاً تفصيلياً، وإنما توافقاً على الخطوط العريضة لمناطق السيطرة شمال وجنوب النهر، وعدم الاشتباك براً أو الاحتكاك في الجو، إذ حاولت روسيا سابقاً التقدم نحو حقل غاز كونيكو، لكن انسحاب تنظيم داعش لصالح قسد أوقف هذا التقدم. ثم حاولت مرة أخرى التقدم نحو حقل العمر النفطي بعد سيطرتها على الميادين وعبورها إلى بلدة ذيبان، وجاء انسحاب داعش مرة أخرى لصالح قسد ليوقف تقدمها. لكن لإيران استراتيجية أخرى بالتعاطي مع الولايات المتحدة في سوريا، فقد استخدمت صيف العام الفائت ميليشياتها في محاولة فاشلة للتقدم باتجاه معبر التنف أحبطها الطيران الأمريكي، قبل أن تسلك طرقاً أخرى عبر بادية الشام لتصل الى الحدود مع العراق جنوب مدينة البوكمال.

في الهجوم الأخير تألفت القوات التابعة لإيران من ميليشيات محلية، مثل مجموعات المقاتلين الشيعة من بلدة حطّلة التي يقودها طارق ياسين المعيوف، والمجموعة التي يقودها أسعد نواف البشير، إضافة إلى ميليشيا جديدة تم تشكيلها من قبل محمد شاه الفياض الناصر وحميدي البشير، الأول من وجهاء عشيرة البو سرايا والثاني من وجهاء عشيرة البقارة، ويتبع هذا التشكيل للحرس الثوري الإيراني. ومن نافل القول هنا أن الاصطفاف ليس عشائرياً، حيث شارك أبناء عشيرة البقارة والبوسرايا المنخرطين في صفوف قسد فضلاً عن الشبان المدنيين من أبناء المنطقة في التصدي لهجوم هذه الميليشيات.  

لا يختلف هذا الهجوم عن محاولات إيران السابقة لاختبار الممنوع والمسموح لدى الولايات المتحدة مرة أخرى، وذلك باستخدام مليشيات محلية دفعتها للمضي في مغامرة خاسرة، لكنها قد تتكرر في أي وقت.