مجنون النمر وعاشور عاشور.. تحولات في سير المخبرين

تركي البوحمد نموذج مكتمل عن ظاهرة ادعاء المشيخة العشائرية المتكاثرة في أوساط النصابين المؤيدين للنظام من أبناء الريف، إذ وقف في أعلى درجات سلَّم وعيهم بالفضاء العام، وأصبح ملهماً في وظيفة المخبر لباحثين عن تجاربهم العملية في التكسب والتملق لأجهزة المخابرات.

اجتاز البوحمد مراحل الظاهرة التقليدية كافة، لصاً ثم نصاباً ثم مخبراً ثم مقاتلاً، فقائد ميليشيا، ليبلغ أخيراً منتهاه كشيخ عشيرة مزعوم، في مسيرة ألهمت العشرات من أتباعه.

عاشور عاشور عنصر سابق في ميليشيا "جيش العشائر" التي يقودها البوحمد، دفعه طموحه الشخصي للانشقاق عن معلمه، فمضى في طريقه الخاص بين مفارز وفروع المخابرات وشعب البعث ومكاتب مديري "المؤسسات الحكومية" في مدينة حماة التي استقبلت حكومة النظام المحلية المطرودة من الرقة منذ العام 2013.

وفي أوساط أهالي الرقة النازحين هناك، يزعم عاشور أنه رجل خير واسع النفوذ، ويقسم أنه يساعد أهل بلده ل"وجه الله"، ويطالب مطلقي الشائعات الذين يكرهون الرجال الناجحين أن يقابلوه وجهاً لوجه، ليقولوا له "يا شيخ عاشور انت قبضت من فلان هالمبلغ عشان تسوي له هالشغلة". تحدي مضمون، فالجميع يخاف من تقاريره ويصمت.

وفي أوساط العناصر وصف الضباط والمخبرين الأرفع رتبة، يزعم عاشور أنه لا يهدأ في عمل متواصل ل"تحرير الرقة"، وكما قاتل الدواعش والجيش الحر سابقاً "سيقاتل الأكراد"، وأمام أي عنصر لبناني أو عراقي -أو أفغاني حتى- من عناصر ميليشيات الحرس الثوري الإيراني، يتقمص عاشور شخصية الشيعي المجاهد. وفي تذكّر كاذب ل"طريق هدايته" كرجل نبيل من أصول إقطاعية- يأخذه الحال، ويكشف حلمه التاريخي البعيد بأن يهتدي إلى "مذهب آل البيت" سكان وادي الفرات من جرابلس إلى البوكمال.

ومن مورك في ريف حماة، يقدم الملّاك الصغير وموظف البلدية السابق عبد الناصر العلوش، مثالاً شديد الخصوصية وحكاية طفرة أخرجت العلوش من سياقه المتوقع. فمنذ نزوحه وأسرته الكبيرة إلى مدينة حماة هرباً من الثوار بعد انكشاف أمره كمخبر، سُلب لبُّه بالعقيد ثم العميد في مخابرات النظام الجوية سهيل حسن، وكلما زادت شهرة الضابط السفاح ازداد ولع العلوش به، حتى صار يقلد طريقة "النمر" بارتداء الزي والقبعة العسكرية (السدارة) وكذلك النظارات الشمسية، والمشي، الوقوف، انتصاب الرأس، وشد عضلات الرقبة؛ وعندما تغيّر وجه النمر حاول علوش أن يغير في وجهه ليشابه وجه سيده بنسخته الجديدة.

ومع كل إصدار مصوّر يلقي فيه "النمر" خطابه الفلسفي المعتاد، يعتكف العلوش ساعات طويلة بجواله معتزلاً الناس، يشاهد الإصدار مرة تلو أخرى، إلى أن يحفظ عن ظهر قلب كل حرف وكلمة من خطاب أسطورته الجوية.
وكما يبدو الحسن متواضعاً مع عناصره في حالات، ومتكبراً في حالات أخرى، يفعل علوش مجنون النمر. وداخل مطار حماة العسكري، وفي المرات التي يتاح له فيها أن يخلو ببعض المجندين الحمقى المفرّغين للسخرة وأعمال التنظيف، يلقي العلوش خطبة من خطب النمر، دون أن ينجح بتحريض عساكر السخرة على التصفيق والهتاف باللحظة المناسبة