لماذا كل هذه المجازر؟

الوحشية وآل الأسد توأمان. فمنذ أن استلم الدكتاتور الكبير حافظ الأسد الحكم، في تشرين الثاني 1970، زجّ برفاقه في السجن إلى أن قضوا فيه، أو أُخرجوا مرضى وماتوا بعد مدة قصيرة. وبرز شقيقه رفعت كمجرم ولص كبير يقتل بيد وينهب بالأخرى، حتى كان يُوصف بأخطبوط الفساد. وعندما تعرض حكم الأسد للخطر في بداية الثمانينات كان الرد الدموي، فدمّر مدينة حماة، وقتل، وسجن عشرات الألوف. وكانت مذبحة تدمر الشهيرة، التي راح ضحيتها مئات الشهداء في يوم واحد، علامة على مدى همجية هذا النظام وبربريته، والدليل القاطع على أنه مستعد لأن يفعل المستحيل للبقاء في السلطة.

قامت الثورة بعد عقود طويلة من القهر والظلم، لتنفض عن ظهر السوريين الموت والعجز والخوف، ولتثبت أن البرابرة «مارّون بين الكلمات العابرة»، وأن مجازرهم الرهيبة لن تثني الشعب عن تقديم الشهداء. واستمر الطاغية في إجرامه متنقلا من مجزرة إلى أخرى، من بانياس إلى الحولة إلى غوطة دمشق إلى خان شيخون مروراً بمئات المجازر، ليعلن أن السلطة وحب القتل والسطوة أقوى من صراخ الأطفال وهم يرون الموت أمامهم، وأن نحيب النساء على شهدائهن لا يثير فيه إلا الإحساس باللذة، وأن دموع الرجال على فلذات أكبادهم لا تحرك فيه إلا الاندفاع أكثر نحو القتل والتدمير والحرائق، تسانده روسيا وإيران والميليشيات الشيعية التي دخلت المشهد تلطم على الصدور وتنادي بالثأر من السنّة، في لوحة دموية مثيرة للاشمئزاز من هذا الغباء والتخلف والبدائية.

وأخيراً جاء دونالد ترامب ليضفي على المشهد إثارة أكبر. فسليل القنابل النووية على اليابان أحسَّ بالحزن على أطفال خان شيخون، وكأنه قديس جاء من عالم البرابرة كي ينهر الأسد ويؤنبه، وبدا وكأنه متخرج من معهد مسرحي في خطابه عن أطفال خان شيخون، وكأن دموعه تنهمر وهو يقول إن الأسد يهدد المصالح العليا للولايات المتحدة باستخدام السلاح الكيماوي، مذكراً الجميع أن أميركا -وهي في ذروة حربها مع تنظيم الدولة- ليست بعيدة عن اللعبة في سورية، وأنهم يجب ألا ينسوا بأن لها مجازرها القادمة في سورية كما حصل في الموصل، والقادم أدهى وأمرّ وأكثر فظاعة.

أما القابع في الكرملين، ووزير خارجيته لافروف، فلا يتركان مناسبة إلا ويذكران العالم الغربي بأنه يخرق القانون الدولي وعليه أن يتصرف وفقه، وكأنهما محاضران في أكبر معاهد الحقوق في العالم، وعند أي خطر يحيق بمصالحهما يرسلان إلى سورية أحدث الأسلحة المدمرة في العالم من طائرات وسفن وصواريخ.

لقد أفقدت الثورة السورية وصمودها العالم عقله!

لم تكفِ الصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية والنابالم والفوسفوري والبراميل والخراطيم المتفجرة، فلجأوا إلى الكيماوي ليقضوا عليها، وربما يفكرون بالأسلحة النووية بعد ذلك! ألم تفعل الولايات المتحدة ذلك في الحرب العالمية الثانية كي تستسلم اليابان؟

لماذا كل هذه المجازر؟

أعتقد أن ما يحصل هو تضارب مصالح السوريين مع المصالح الإقليمية والدولية. فروسيا لها مطامع في بترول البحر المتوسط على الشواطئ وبترول المنطقة الشرقية في دير الزور، وإيران تسعى إلى تغيير ديمغرافي تُحلُّ فيه الشيعة محل السنة ليكون لها القرار السياسي بعد أن يكون «الهلال الشيعي» قد بلغ مرحلة متقدمة، والولايات المتحدة عينها على بترول المنطقة الشرقية أيضاً، وربما تخطط لإقامة قاعدة جوية ضخمة في شمال أو شرق سورية تكون بديلاً لقاعدة إنجرليك التركية. والنظام السوري يهمه أن يبقى في السلطة للمحافظة على مكاسبه المادية من سرقة الشعب؛ فها هي الحكومة الإسبانية تجمدّ أموال وممتلكات رفعت الأسد التي قدّرت بأكثر من سبعمائة مليون دولار بعد دعوى قضائية رُفعت ضدّه في فرنسا بتهم تتعلق بالفساد وغسيل الأموال. و«احتفل» فواز الأسد قبل الثورة بسنوات بوصول ثروته إلى مبلغ مليار دولار، ورامي مخلوف وشريكه بشار الأسد من سادة الفساد، ناهيك عن كبار ضباط الجيش والمخابرات الذين لم يكن همهم سوى نهب البلد وتكديس الثروة الحرام، ولا يرى جميعهم في سورية إلا دجاجة تبيض ذهباً، فكيف بعد هذا سيرحلون؟

يُقال بأن الثورة هي تغيير للعلاقات الفكرية والثقافية والسياسية الاجتماعية...