لماذا عاد وليد المعلم إلى الظهور؟

يغيب وزير خارجية النظام الكيماوي لفترات طويلة، فنظن به الظنون، ثم يفاجئنا بظهور جديد يجعلنا نتفكر في معاني تعاقب الغياب والظهور.

من المرجح أن غياب المعلم لا يتعلق بمواصفاته الخارجية، من بدانة مبالغ بها وخمول في النطق وسماجة في الروح، مما تشكل معاً تخريشاً مؤذياً للحواس والذائقة البشريتين، بقدر ما يتعلق بانتفاء الحاجة إلى دوره كممثل لمن يمثله أمام الخلق في عالم الدول. فقد كفّى سيرغي لافروف ووفّى في تنكب هذه الوظيفة الشاقة والمقيتة، إضافة إلى وظيفته الأساس كوزير خارجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أو قل إن الوظيفتين وظيفة واحدة، في الواقع، ما دام نظام الوصاية الروسية سارياً على «سورية الأسد»، ولا عمل للأستاذ وليد غير تسجيل دوامه في مبنى الخارجية. فلا دول تتعاطى مع هذه «السورية» المنكوبة -في الظاهر الدبلوماسي على الأقل- ليحتاج وليد لاستقبال نظراء له، ولا هو بصدد السفر إليهم. وحين يتعلق الأمر بالظهير الإيراني فثمة في النظام بيادق أهم منه لشغل وظيفة ضابط الارتباط. أما في جنيف وأستانة فقد أثبت بشار الجعفري علو كعبه في تمثيل سيده، بما قد يرشحه لخلافة المعلم إذا بلغ الأمر بهذا الأخير، بنتيجة النهم والخمول، حالاً تتطلب تفصيل سيارة ومقاعد خاصة تستوعب طبقات شحمه المتراكمة باطراد.

لا قِبَلَ لي بمشاهدة برميل النظام الدبلوماسي، فاكتفيت بقراءة شذرات مما قاله في ظهوره الأخير. بدا لي أن الرجل مكلف بمهمة محددة، هي وضع حد للقلق الناشئ لدى البيئة الحاضنة للنظام، بمناسبة الخطة الروسية الجديدة بشأن المناطق «منخفضة التصعيد» (أو لعلها «متصاعدة الانخفاض»؟) على ما في هذه العبارة من ابتكار للمستحيل يذكرنا بعناوين روايات من عصر الحرب الباردة كـ«الصعود إلى الهاوية» أو «الهبوط إلى القمة» والله وحده أعلم بدلالات الكلام. فالحاضنة تفقد الأمل كلما انخفض التصعيد، فيبلغ بها القنوط ذروة الهاوية.

غير أن ما قاله المعلم بشأن تدخل أردني محتمل من الجنوب يدفعنا إلى النظر وجهةً أخرى بحثاً عن معاني ظهوره المفاجئ: ترى هل هناك مخاوف جدية لدى النظام من احتمال بيع روسيا رأسه للأميركيين؟ فقد اتضح، بعد خان شيخون والشعيرات، أن ترامب لا يعرف المزاح أبداً، أو في أفضل الأحوال، لديه طريقة غريبة ومؤذية في المزاح. مقلق إعلان وزير خارجيته عن «نهاية حكم السلالة الأسدية». فإذا كانت دول الغرب قد واظبت، طوال عهد أوباما، على الحديث عن مصير شخص، وانتهت إلى التسليم له بطول البقاء، فهذه الإدارة الجديدة قد أدخلت مصطلح «السلالة الأسدية» إلى التداول، وهذا مدعاة لقلق حقيقي. والمقلق أكثر هذه الميوعة الروسية التي سارعت إلى إطلاق خطة المناطق الأربع تجاوباً مع مشروع المناطق الآمنة لترامب، وإن كانت بصيغة بوتينية. وها هو سيرغي يطير من أستانة إلى واشنطن لتقديم فروض مودة عزيزة المنال، ناسياً عمله الإضافي كوزير لخارجية النظام الكيماوي.

عند هذه النقطة برزت الحاجة إلى وليد المعلم وكيلاً عن لافروف «الأصيل» لتوضيح ما غمض من اتفاق أستانة الثلاثي. فقد ترجم لنا المعلم معانيه بلغة النظام، بحيث لا يختلف كثيراً عن اتفاقات الاستسلام الموضعية المسماة بـ«المصالحات»: ألقِ سلاحك واستسلم، نكف عن قصف مواقعك. وما سيقوله بشار الكيماوي، بعد أيام قليلة، بخصوص عملية جنيف، سيعزز هذه الترجمة، فيتظاهر النظام بأنه قوي وليس لديه ما يعطيه. فهل هذا التنمر الورقي موجه فقط للحاضنة القلقة أم لروسيا أيضاً التي لا يمكن الوثوق بها ليومين متتاليين؟

يبقى الجواب في واشنطن. صحيح أن ضربة الشعيرات لا تتحمل تفسيرات كثيرة، ولكن من يدري؟ لعلها كانت مجرد مزحة خشنة من البدين الأميركي. وعلى أي حال لا خيار غير مواصلة قصف السوريين بالبراميل، بانتظار القرار النهائي من واشنطن، وفي غضون ذلك لا بأس بقصفهم، من حين لآخر، بالأستاذ وليد، على سبيل التنويع.