لم يمت «رب القامشلي» المزعوم، لكنه كئيب

محمد منصورة (يمين)

معلم وبطل ومحنك وعقلاني وركن، بعض أوصافٍ أطلقها علي كيالي (معراج أورال)، قائد ميليشيا «المقاومة السورية»، في مقطعٍ مصور، على مضيفه محمد منصورة، رئيس شعبة الأمن السياسيّ الأسبق، الذي بدا شاحباً ومنهكاً جداً.

هي آثار إصابته الخطرة في ظهره، إثر وقوعه عن سلّمٍ أثناء عنايته بشجرة ليمون. لم يمت الرجل، أو لم يقتله النظام بإلقائه من سطحٍ عالٍ كما أشيع قبل أشهر. سيتعافى على الأرجح، ليستأنف تقاعده المريح في بيت أبيه بضيعته حمام القراحلة بريف جبلة. وسيعاود الخروج كل يومٍ ماشياً في شوارع الضيعة أو راكباً السيارة إلى ضيعةٍ مجاورة، يلقي التحية على الجميع ويشارك في مناسبات الموت والزواج.

في شيخوخته اليوم، يعاني منصورة من الوحدة بدون زوجةٍ ولا أولاد، ويعاني من الضجر ومن انصراف الناس في حمام القراحلة عنه. فرغم إعجابهم بماضيه كحاكمٍ فعليٍّ على الجزيرة السورية ثم رئيساً لشعبة أمن، ورغم تقديمه بعض الخدمات الوازنة لبعض الأفراد، لا يحب أهل الضيعة محمد منصورة ويتحاشون طرق بابه بأيّ واسطة، مفضلين أمينة الفرقة الحزبية في القرية التي لم تقصّر، عبر علاقاتها وحسب قدرتها، مع أي طالب نقلٍ أو توظيفٍ في مؤسسات الحكومة. كان المطلوب منه أن يخدم أهالي حمام القراحلة بالقدر الذي أتاحته سلطته السابقة، فقد كان قادراً -حسب فرضياتٍ أهلية- أن يفتتح معملاً حكومياً يوظف الجميع، أو يدفع على الأقل بكتلٍ كبيرةٍ ومنتظمةٍ من أبناء القرية إلى مؤسّسات القطاع العام في مدن الساحل. يسقط محمد منصورة في أيّ مقارنةٍ تجمعه بعلمٍ آخر من أعلام الضيعة، كالسفير السابق سليمان حداد الذي حشد العشرات من أهل ضيعته في وزارة الخارجية، أو مثل رجل الأعمال سمير ديبة الذي يوزع اللحوم والدجاج على الأهالي بمناسبةٍ أو من غير مناسبة.

من وجهة نظر عشيرته القراحلة، كان منصورة أنانياً وناكر جميل، لأنه انتفع بانتمائه إلى العشيرة دون أن يفيدها بشيءٍ ملحوظ. فحسب ما يُهمس في الضيعة كان القراحلة في جملة العشائر –الصغيرة بمعظمها- التي ساندت حافظ الأسد داخل الطائفة العلوية في صراعه ضد خصمه الثقيل صلاح جديد. وحين تمكنه من الحكم لم ينسَ الأسد من وقفوا معه، فعيّن المتعلمين منهم ضباطاً أو مدنيين في وظائف هامة، ترقوا بعدها ليصيروا ضباط أمنٍ كباراً وسفراء ومحافظين. وعلى هذا، فضلاً عن ما يتمتع به من قدرات، بدأت رحلة مجد منصورة قبل أربعين عاماً تقريباً، حين ترأس مفرزة المخابرات العسكرية في محافظة الحسكة وهو برتبة نقيب، قبل أن تتوسع المفرزة الى فرع، ليترقى في الرتبة وفي التسلط الى درجةٍ وصفه معها بعض الحمقى بـ«رب القامشلي» في عصره الذهبي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

وقع «رب القامشلي» من شجرة ليمون، وليس لديه اليوم سوى عسكريٍّ واحد.