لحظة الضرورة في إدلب وعودة الروح الأولى.. إنّها الروح الأولى، روح ساحة الساعة، ودوّار المدلجي

صحيح أنّه يجب عدم الإفراط في التفاؤل إزاء انتهاء خطر المذبحة التي كانت وشيكة في إدلب، لأنّ خبرة نحو نصف قرن من التعامل مع وحشية نظام الأسد، لا تترك مجالاً للشك في حقيقة نواياه الدائمة تجاه السوريين، ولأنّ ضمانات الروس، قد اختُبرتْ هي الأخرى مرة إثر مرة، قصفاً وتدميراً، ودعماً بلاحدود لنظام الأسد، الذي يظل رغم كل ادعاءات الواقعية، الخيار الوحيد سياسياً لروسيا.

لكنّ إدلب سحبت المشهد نحو فضاء مغاير في روحيته المتجددة، ومدهش في قوته الأصيلة؛ وما كان الأمر يقتضي أكثر من لحظة ضرورة، كي تنفض المحافظة -مدناً وأريافاً- بساط الثورة في الهواء، وتنشر أعلامها الخضراء في كل زاوية من زوايا وجودها، الذي بات يختصر سوريا كلها في مأساتها الدامية، وفي نزوعها الحيّ نحو الحرية وزوال الطغيان.

الواجهة السياسية لحدث الاتفاق التركي – الروسي معقدة وشائكة، وتتداخل فيها المصالح الدولية وموازين القوى، غير أنّ هذا بالنسبة لسيدة أو شاب تحمل، أو يحمل، علم الثورة -واستقلال سوريا الأول- في كفرنبل أو سراقب، ليس سوى لحظة الضرورة تلك، التي يجب أن تقترن بإعلان واضح وصريح عن حقيقة نوايا المجتمع السوري، وتوكيد توقه -الذي فشلت آلة الإبادة الأسدية وحلفاؤها في وأده- إلى مصير مغاير لما يتوهم القتلة أنهم أنجزوه.

رسالة إدلب المخضرّة، والعامرة بقوة النزوع إلى الحياة، كانت واضحة ومقروءة العنوان والمتن: "مافي للأبد".

وحتى وإن كانت تصاريف السياسة، وتحولات الحرب في سوريا، قد أنتجت تحديات متراكمة، بأسماء متضاربة، ونكأت عقائد متحاربة؛ فإنّ ما قالته إدلب في جمعتين، كان كثافة الحكم في مسألة الثورة برمتها، وهو في جوهره قول لايحتاج إلى بحث في أصول اللغة والتعابير لفهمه، إذ تكفي مسحة الفرح على وجوه المتظاهرين وهم يعانقون راية حريتهم، التي ذُبح وحُرق وعُذّب وتشرد الملايين من أجلها، لتكون العبارة ساطعة بجلال: إنّها الثورة حقاً، ثورة أحرار ضد كلّ من يريد قتلها وتعفيشها واغتيال حلمها المؤسس، الذي دوّى قبل سبع سنوات في سوق الحميدية ودرعا، وطافت روحه الشامخة حول ساعة حمص ودوار المدلجي في دير الزور؛ لتقول إدلب إنه لم يمت، ولن يموت مادام هناك من يدثر علم الاستقلال في بيته، بانتظار لحظة ضرورة يُعاد فيها إعلان حقيقة أنْ لا (أبد) يمكن للطغاة أن يلوذوا به ليحميهم من حرية قادمة.