لا يمكن لليسار أن يصمت على جرائم الأسد

شيرين أكرم بوشعر وإيما وايلد بوتا
1 أيار عن موقع SOCIALIST  WORKER
ترجمة مأمون حلبي

في مقالة ظهرت في مجلة (جاكوبين) تحت عنوان «فلتخرج الولايات المتحدة من سوريا» يُقدم غريغ شوباك تحليلاً للدور الأميركي في سوريا. هذا التحليل مُضلِل، ويُمثل تجميعة من نظريات المؤامرة الخطيرة.

تبدأ مقالة شوباك بالتشكيك بفكرة أن نظام الأسد الدكتاتوري استخدم أسلحة كيمياوية في حرب الأرض المحروقة التي يشنّها، قبل أن يَثبُت على تركيز حصري على دور الولايات المتحدة في النزاع؛ عبر هذه الطريقة في المعالجة يُغَيب شوباك جرائم نظام الأسد، المسؤول عن القسم الأكبر من فصول المذبحة، هذا النظام الذي استهدف عشوائياً المدنيين بكل أنواع الأسلحة البربرية، بما فيها الأسلحة الكيماوية. بالحجج التي يقدمها، ينضم شوباك إلى قسمٍ من اليسار يقوم بالتبرير للدكتاتور الأسد وللتدخلات الروسية والإيرانية التي ساندته. وباتخاذهم هذا الموقف، يتحالف هؤلاء اليساريون مع القوى التي عملت على سحق الثورة السورية والربيع العربي. هذا موقف كارثي يقتات على منطق «الحرب على الإرهاب» ويُجرّد السوريين من حقهم بأن يكونوا ولاة أنفسهم، ويُمثل سابقة خطيرة للثورات المستقبلية.

بصفتنا اشتراكيين ثوريين، نُقِر أن التدخل العسكري الأميركي في أي مكان هو ضد مصالح كل الناس العاملين، ونوافق أن التدخل الأميركي في سوريا، وفي أماكن أخرى، يجب معارضته بشكل قاطع. ونتفق مع قول شوباك إنه «لا يوجد دور إيجابي يمكن أن تلعبه أميركا وحلفاؤها من خلال التدخل»، وإنه «علينا أن نمنع حكوماتنا من إلحاق مزيد من الضرر في الخارج». في الحقيقة، علينا أن نعيد بناء حركة معادية للحرب بشكل جديد تماماً لتحقيق هذا الأمر. لكن حججاً كالتي يُقدمها شوباك، والتي تقدم غطاء لنظام دكتاتوري مدان بجرائم حرب، تجعل هذا المشروع أكثر صعوبة.

انقسم اليسار حول قضية سوريا منذ بدأت الثورة السورية عندما نهض ملايين السوريين العاديين، الذين ألهمهم الربيع العربي في تونس ومصر، للمطالبة بالحرية والمساواة. فللمرة الأولى، منذ أجيال، اتّحد سوريون من كل الطوائف ليشاركوا في الثورة، بما فيهم الكرد والفلسطينيون، كاسرين ثقافة الصمت والخوف في ظل دكتاتورية لا ترحم. لكن بعض اليساريين وصَّفوا الثورة بشكل خاطئ على أنها تمرد يقوده إسلاميون متشددون بدعم أجنبي.

كانت الثورة السورية واحدة من أكثر ثورات الربيع العربي تقدماً. فقد أسس الطلاب والعمال لجان التنسيق المحلية التي خلقت شبكات من الناشطين على امتداد البلاد، وأنشأت صحافة ووسائل إعلام حرة في أماكن كانت حكراً لوسائل إعلام النظام، ونظّمت احتجاجات أيام الجمعة في كل أنحاء البلاد تحت شعاراتٍ تُعادي التدخل الخارجي والطائفية وتُشجع على السلمية. وخلال أول عامين تحررت مناطق واسعة من البلاد من قبضة النظام. وفي هذه المناطق قام الناس بانتخاب مجالسهم المحلية وبدأوا بإدارة شؤونهم الخاصة، من التعليم والإعلام حتى إعادة توطين السوريين المُهجرين داخلياً، لكن نظام الأسد ردَّ على ذلك بحرب شاملة.

أطلق النار على المحتجين السلميين وحاصر المدن وبدأ حملات اعتقال جماعية وبدأ التعذيب. في سجن صيدنايا السيئ الصيت تم إعدام أكثر من 13 ألف شخص، كانوا بمعظمهم من الناشطين السلميين الذين اعتُقلوا في بدايات الثورة. بتسهيله تشكيل ألوية جهادية مع إطلاق سراح انتقائي للسجناء، أوجد النظام الإرهابيين الذين زعم مقاتلتهم، وبعدها استخدم منطق «الحرب على الإرهاب» ليبرر ذبح أي معارضة. بعدها شنّ الأسد هجمات على أساس طائفي، واسترضى الكرد في شمال سوريا بسحب قواته من المدن ذات الغالبية الكردية، وتركيز قوته النارية في أماكن أخرى سعياً لفصل العرب عن الكرد. وبينما كان السوريون يهتفون «الشعب السوري واحد» كان النظام يُعلن «الأسد أو نحرق البلد». وأحرق البلد.

يُلاحظ شوباك أن أغلبية السوريين الذين ما زالوا داخل البلاد «موجودون في مناطق النظام». هذا صحيح. فالنظام قد قصف بالبراميل وفرض حصارات التجويع على كل بلدة ومدينة ثارت عليه منذ 2011، ما أدى لتناقص سكان معظم المناطق السورية المحررة من النظام. بربرية النظام هذه هجَّرت نصف سكان سوريا، 6 ملايين منهم أصبحوا لاجئين خارج البلاد، و6 ملايين مهجرين داخلياً.

ينضم شوباك لجوقة الأصوات اليسارية التي تُصر على أن الولايات المتحدة تدخلت في سوريا هادفة بشكل رئيسي الإطاحة بالنظام، لكن دراسة للتدخل الأميركي الفعلي في سوريا تُبين أن الولايات المتحدة لم تكن في وارد تغيير النظام، فمنذ بداية الثورة كانت مترددة في دعم القوى المعادية للأسد بشكل حاسم، وحرمتها من مضادات الطيران، وحالما أصبح واضحاً أن إيران ستدعم نظام الأسد، وقام تنظيم الدولة بغزو سوريا من العراق، تخلّت الولايات المتحدة عن أي تظاهر أنها ضد الأسد، وركّزت على قتال تنظيم الدولة.

في 2013 أنقذ التدخل الإيراني النظام، وفي 2015 عزّز التدخل الروسي الثورة المضادة. لولا القوة الجوية الروسية لما كان النظام قادراً على تسوية حلب الشرقية بالأرض، وهذا ما جعله صاحب اليد الطولى في البلاد على حساب دمار قسم كبير لأكبر مدينة سورية.